
في زحام الحياة اليومية، وبين ضغوط المسؤوليات والصراعات النفسية، يبقى الحب الحقيقي هو النور الخافت الذي يرشدنا حين تظلم الدروب، والنبض الدافئ الذي يمنح الحياة معناها.
لكن السؤال الذي لا بد أن نطرحه بصدق على أنفسنا: هل عرفنا فعلاً معنى الحب الحقيقي؟ هل تذوقنا حقيقته كقيمة إنسانية راقية؟ أم أننا تعاملنا معه كحالة عابرة، أو وهماً عاطفياً لا يصمد أمام اختبارات الحياة؟
الحب الحقيقي لا يبدأ من الآخر، بل يبدأ من الذات. فمن لم يعرف كيف يحب نفسه بصدق، كيف يكون صادقاً مع ذاته، نقياً في مشاعره، لا يحمل كراهية في قلبه ولا حسدًا في صدره، فلن يستطيع أن يمنح غيره حباً نقياً. حب الذات هنا ليس أنانية، بل تصالح داخلي، قناعة بما قسم الله، وصفاء قلب ينعكس في سلوك رفيق وكلمة طيبة وابتسامة لا تنقطع.
أن تحب بصدق يعني أن ترى الله في كل تصرفاتك، أن تعيش الجمال وتمنحه، أن تكون مرآة خير تنعكس على من حولك، تنثر عطر التفاؤل على الطرقات، وتزرع بذور الرحمة أينما حللت.
الحب الحقيقي ليس امتلاكاً، بل حرية، ليس تعلقاً، بل دعم، ليس صراعاً، بل سكينة وسلام داخلي.
وإذا أحببت أحداً، فذلك فضل من الله، إذ جعل قلبك يرق ويهتز لوجود إنسان آخر، فلا تجعل الغيرة تفسد هذا الجمال، ولا تجعل الحقد يفسد صفاء قلبك. سامح وارتق، وانظر لنفسك بعين الله، لا بعين الناس. وإن رأيت منافساً لك، فاحمد الله أن رزقك قلباً يحب، وادعُ له بالخير، فإن الله لا يضيع أجراً لمن يحب بصدق.
طهارة القلب، كما قال الحكماء، هي مفتاح الرقي
- “إذا طهُر القلب.. راق،
- وإذا راق.. ذاق،
- وإذا ذاق.. فاق،
- وإذا فاق.. اشتاق،
- وإذا اشتاق.. اجتهد،
- وإذا اجتهد.. وصل.”
فلا وصول إلى حب الله إلا بقلب خالٍ من الحقد، نقي من الغل، طاهر من الكره والحسد. القلب النقي هو القلب الذي يسكنه الرضا، الذي ينبض بالعطاء، ويخشى الله في كل شعور وسلوك.
ابدأ يومك بالحب، واغرس في قلبك نوايا الخير. عش بنور الطمأنينة، واسعَ أن تترك أثراً طيباً في حياة من تعرفهم. فحب الناس هبة من الله، ومن أحبه الناس، أحبه الله.
اللهم لا تجعل للحزن مكاناً في قلوبنا،
ولا للحقد طريقاً إلى أرواحنا،
واجعل صباحنا نوراً، ويومنا سعادة، وقلوبنا مليئة بالحب والرضا.