هل ينهار سد النهضة فجأة؟، مدى دور الزلازل في إنهاء التعنت الإثيوبي

هل ينهار سد النهضة بشكل مفاجئ؟، سؤال حاول العديد من الباحثين في الشأن الأفريقي الإجابة عليه، في ظل الحديث المتواتر عن تأثر مصر في حصتها من مياه النيل نتيجة بناء السد، وتعنت إثيوبيا في التفاوض.
تتبع مصر نهجًا دبلوماسيًا هادئًا وفعّالًا في التعامل مع أزمة سد النهضة، إذ لا تزال تتحرك بمنهج الصبر الاستراتيجي، الذي تقوده الدبلوماسية الرئاسية منذ سنوات، وذلك حسب تصريحات هاني الجمل الباحث في الشأن الأفريقي.

وأضاف الجمل، أن مصر رفضت أي واقع مفروض تسعى إثيوبيا لفرضه من خلال استكمال مشروع السد دون اتفاق قانوني ملزم، مؤكدًا أن القاهرة تتحرك في أكثر من اتجاه، أبرزها التوجه لمجلس الأمن بشكوى رسمية للمطالبة بـضرورة ما يلي:
- الحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل.
- إلزام إثيوبيا بعدم الانفراد بالتحكم في مصدر الحياة الرئيسي للمنطقة.
وأِشار إلى أن خطورة سد النهضة تكمن في موقعه الجغرافي الخطير وليس فقط في حجمه أو طريقة تشغيله، إذ يقع في حزام الزلازل والبراكين، ما يجعله تهديدًا وجوديًا لا سيما على السودان الذي قد يتضرر بشدة في حال حدوث انهيار مفاجئ، لافتًا إلى أن مصر اتخذت خطوات استباقية فنية واستراتيجية، مثل تطهير مفيض توشكي، وتبطين الترع، وتجهيز شبكات تصريف المياه لمواجهة أي سيناريو محتمل.
وأكد أن الخبراء المصريين في مجال المياه والطاقة على أعلى مستوى من الكفاءة، وهم على دراية كاملة بالتطورات الفنية للمشروع، مشيرًا إلى أن مصر طلبت سابقًا إشراك بيوت خبرة دولية لدراسة أبعاد السد، لكن إثيوبيا رفضت تلك المقترحات.
هل سيصمد سد النهضة أمام زلازل أثيوبيا؟
تشهد إثيوبيا في المتوسط من 3 إلى 6 زلازل سنويا، إذ تعرضت خلال 14 يوما (الفترة من 21 ديسمبر 2024 إلى 4 يناير 2025) إلى 130 زلزالا، وأثار هذا الارتفاع في النشاط الزلزالي تساؤلات حول تأثيره المحتمل على سد النهضة، ورغم أن الخبراء يتفقون على أن قوة وموقع هذه الزلازل لا يمثلان تهديدا مباشرا لسلامة جسم السد، فإن الآراء انقسمت بشأن تفسير ردود الفعل العامة.

بينما يرى بعض الخبراء أن الزلازل مبررة علميا، يرى البعض الآخر أنها تبتعد عن جوهر القضية الرئيسية، المتمثلة في ضرورة التوصل إلى اتفاق حول تشغيل تعاوني بين سد النهضة والسد العالي، لضمان حماية مصر من مخاطر نقص المياه في المستقبل.

تأثير احتمالية حدوث زلازل قوية على السد
أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، يرى الزلازل الحالية ضعيفة للغاية بحيث يمكن أن تؤثر على سد النهضة، لكنه يختلف مع ما يبدو في تعليقه من استبعاد لتأثيرات الزلازل على سد النهضة.
يقول الدكتور عباس شرافي أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة أنه قد حدثت زلازل على بعد 560 كيلومترا من موقع سد النهضة، لكن هناك زلزال وقع في مايو2023 على بعد 100 كيلو متر من سد النهضة، وعلى الرغم من أنه كان منخفض القوة (نحو 4.2 درجات)، فإن ذلك لا يلغي احتمالات حدوث زلازل أقوى في السنوات القادمة تؤثر على السد.
فرضية علمية تحتاج لمزيد التحقيق
لا يجزم شراقي بأن مشروع السد يتحمل المسؤولية عن تواتر حدوث الزلازل في الفترة الأخيرة بإثيوبيا، لكنه في نفس الوقت يثير فرضية علمية تحتاج لمزيد من التحقق، يثيرها التزامن الواضح بين تصاعد وتيرة الزلازل وتطورات عملية ملء خزان سد النهضة الإثيوبي.

ويشير شراقي إلى أن الملء الأول للخزان بدأ بعد موسم الأمطار عام 2020، وتم تخزين نحو 4.9 مليارات متر مكعب من المياه، وفي هذا العام شهدت إثيوبيا حدوث 3 زلازل فقط، ومع تخزين نحو 13.5 مليار متر مكعب إضافية من المياه في عام 2021، وقعت 8 زلازل خلال العام، وتم رفع حجم المياه المخزنة ليصل إلى نحو 22 مليار متر مكعب عام 2022، ومعها زاد عدد الزلازل خلال العام لتصل إلى 12 زلزالا، ومع الملء الرابع عام 2023، وصل إجمالي حجم المياه المخزنة إلى نحو 31 مليار متر مكعب، وزاد في المقابل عدد الزلازل ليصل إلى 38 زلزالا خلال العام، وفي عام 2024 ، وصلت كمية المياه في خزان السد إلى 60 مليار متر مكعب، وارتفع في العام نفسه إجمال عدد الزلازل إلى 90 زلزالا، وخلال 4 أيام من عام 2025، وصل إجمالي عدد الزلازل إلى 32 زلزالا.
اقرأ أيضًا
ترامب: أزمة سد النهضة ستحل قريبا، والملف النووي الإيراني تم تدميره
هل يربط ترامب ملف سد النهضة بقضية غزة؟، محلل سياسي يجيب
الرئيس السيسي يرد على تصريحات ترامب بشأن سد النهضة ودعم السلام بالمنطقة
ترامب: سنتوصل لحل في أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا
رئيس وزراء إثيوبيا: سد النهضة نعمة لمصر والسودان وندعوهم لحضور الافتتاح في سبتمبر المقبل (فيديو)
ترامب يتحدث عن تمويل سد النهضة ويؤكد: يقلل تدفق المياه لمصر والسودان (ماذا يقصد)
ماذا قال رئيس الوزراء عن سد النهضة خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة ؟
تسرب المياه يحفز الزلازل
ذهبت دراستين لفريق بحثي من جامعتي ميشيغان وأريزونا الأميركيتين، تم نشرها في يوليو من العام الماضي دورية "بي إن إيه إس"، التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية إلى حدوث تسرب لكمية ضخمة من المياه المخزنة بخزان سد النهضة تم تقديرها بنحو 19.8 مليار متر مكعب خلال السنوات الثلاث الأولى من ملء السد.

ويقول شراقي ربما يكون أحد التفسيرات المنطقية هو أن هذه المياه المسربة وصلت إلى أخدود النيل الأزرق، المتصل بمنطقة سد النهضة، وانتقلت منه إلى مصدر الزلازل الحالية، وهو الأخدود الأفريقي، الممتد على طول شرق أفريقيا، لتكون محفزا لحدوث الزلازل بهذه الوتيرة المتصاعدة.
المياه المتسربة تلعب دورا في تحفيز حدوث الزلازل من خلال 3 تأثيرات، هي:
زيادة الضغط المسامي، عندما تتسرب المياه إلى الصدوع أو الفجوات تحت الأرض تزيد من الضغط المسامي في الصخور، وهذا الضغط يقلل من الاحتكاك بين السطوح الصخرية على جانبي الصدع، مما يجعل الصخور أكثر عرضة للتحرك، وإذا كانت هناك ضغوط تكتونية مخزنة في المنطقة، فإن زيادة الضغط المسامي قد تسبب في تحرير هذه الطاقة على شكل زلزال.
ومع تحفيز حركة الصدوع، فإن المياه المتسربة قد تؤدي إلى تحفيز الحركة في الصدوع الموجودة، فإذا كانت الصدوع قريبة من نقطة الانزلاق أو الحركة، فإن إضافة المياه قد تخفض من الاحتكاك وتُطلق حركة مفاجئة على شكل زلزال.

تحلل المعادن وتآكل الصخور، إذ أن المياه التي تحتوي على مواد كيميائية قد تؤدي إلى تحلل المعادن في الصخور وتآكلها على مدى فترة زمنية طويلة، وهذا يؤدي إلى إضعاف الصدوع وتسهيل انزلاقها.
ويذكر شراقي عندما يحدث 11 زلزالا في يوم، كان أكبرها قوة زلزال (5.5 درجات)، و6 زلازل في اليوم التالي، أكثرها خطورة بقوة (5.8 درجات)، وهو الأول من نوعه بهذه القوة منذ 15 عاما، فكل ذلك، يجب أن يثير الانتباه لتأثير سد النهضة".
كمية إضافية من التسريب
وخلال دراسة عرضت في ديسمبر الماضي بالاجتماع السنوي للاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي، أثبت كارم عبد المحسن الباحث في جامعتي ميشيجان وأريزونا الأميركيتين، وزملاؤه، باستخدام "قياسات مباشرة" بالأقمار الصناعية، أنه أثناء الملء الرابع لخزان سد النهضة (في 28 سبتمبر 2023)، وصلت المياه إلى سعة 39.8 مليار متر مكعب وارتفاع 620 مترا، وبحلول 18 يونيو 2024، انخفضت كمية المياه إلى 30.2 مليار متر مكعب وارتفاع 614 مترا، وهذا يعني أن 9.6 مليارات متر مكعب من المياه تسربت، ليصل إجمالي المياه السربة خلال فترات ملء السد الأربعة إلى نحو 30 مليار متر مكعب.

يشبه عبد المحسن تأثيرات المياه عبر الصدوع والفوالق الجيولوجية بتأثير الشحوم على التروس في الماكينات، ويقول إنه عندما يتم إضافة الشحم إلى التروس في الماكينات، يتم تقليل الاحتكاك بينها مما يسمح لها بالتحرك بسلاسة وكفاءة أكبر، وكذلك فإن المياه تعمل كعامل تشحيم بين الصفائح التكتونية المتحركة على طول الصدوع، فعندما تتسرب المياه، تقلل الاحتكاك بين الصفائح، مما يسهل حدوث انزلاق الصفائح في بعض الأحيان، وبالتالي يمكن أن تحفز حدوث الزلازل عندما يكون هناك تراكم للطاقة في هذه المناطق".
ويضيف أن هذا التأثير المحتمل للسد في حدوث زلازل على بعد مئات الكيلومترات من موقعه، نتيجة تحرك المياه المتسربة لمسافات طويلة، يعني أن التأثيرات التي تطول منطقة السد نفسها قد تكون ضعيفة، وبالتالي لن يكون لها تأثير على هيكله.
انهيارات محلية في منطقة السد
ويعرب الدكتور عبدالعزيز محمد عبد العزيز أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات بقسم هندسة البترول في كلية الهندسة جامعة القاهرة، عن تخوفه من التأثيرات المتوقعة على هيكل السد، لن تأتي من الزلازل البعيدة عن موقعه، وإنما من حدوث انهيارات محلية في منطقة السد نفسها.

ويضيف عبدالعزيز أن الزلازل تحدث على حدود الألواح التكتونية، حيث تتحرك تلك الألواح في منطقة الحدود نحو بعضها البعض، وعندما تصطدم ببعضها، قد يحدث ضغط شديد، مما يؤدي إلى تراكم الطاقة داخل الأرض، وعندما يتجاوز الضغط حدود الاحتكاك بين الألواح، يحدث انزلاق مفاجئ، مما يتسبب في حدوث زلزال، وهذه التأثيرات التي يمنحها تسرب المياه فرصة الحدوث بسهولة ويسر، ستكون بعيدة عن جسم السد (أقرب زلزال لجسم السد وقع في مايو/أيار 2023 على بعد 100 كيلو متر بقوة نحو 4.2 درجات )، لكن الخوف الأكبر من عملية الإطماء التي تحدث في بحيرة السد".
تراكم الرواسب "الإطماء" وانهيار الأرض حول السد
ويشرح عبد العزيز عملية الإطماء بأنها تراكم للرواسب (مثل الطين، والرمال، والطمي) التي تنقلها المياه المتدفقة إلى بحيرة السد بمرور الوقت، ومع استمرار تدفق المياه إلى البحيرة، فإن سرعة المياه تتباطأ، مما يسمح للرواسب بالاستقرار في القاع، لتسبب مع الوقت في حال عدم إدارة عملية تراكمها بشكل جيد، مشكلة التكهف، وهي هبوط مفاجئ أو انهيار في الأرض، قد يحدث في مناطق قرب السد.
ويحدث التكهف لعده أسباب، منها تراكم الرواسب بشكل غير متساو في الجزء السفلي من البحيرة ، بما يؤدي إلى زيادة الضغط على المناطق التي تحتوي على كثافة أعلى من الرواسب، مما يؤدي إلى حدوث تكهف أو هبوط في الأرض، كما أن تراكم الرواسب في مناطق معينة من السد يمكن أن يسبب عدم استقرار الأراضي المحيطة بالبحيرة، خاصة في الأماكن التي تكون فيها الطبقات الأرضية غير متينة، وهذا ينطبق على حالة سد النهضة المبني على منطقة تحتوي على صخور جيرية، كما قد يتسبب تراكم الرواسب في بعض الحالات، في زيادة الضغط على التربة المحيطة بالسد أو على هيكل السد نفسه، مما يؤدي إلى حدوث تشققات أو انهيارات.

وإذ تشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي تراكم الرواسب في خزان سد النهضة يمكن أن يصل إلى حوالي 20 مليار متر مكعب على مدار العقود القادمة، فإن ذلك يعني، أن حجم الخزان في سد النهضة البالغ نحو 74 مليار متر مكعب، سيفقد 27% من سعته التخزينية بسبب الرواسب.
هل يهتم المصريون بسلامة السد؟
يرى عبد العزيز أن الاطمئنان على سلامة السد، أمر لا يقل أهمية عن متابعة مدى تأثيراته على حصة مصر من المياه، من منطلق أن حدوث انهيار للسد سيتسبب في دمار واسع في دولة السودان الشقيقة، وسيحتاج إلى إجراءات سريعة تنفذها مصر خلال أسبوع لتهيئة السد العالي ومفيض توشكي لاستقبال المياه المتدفقة.
أكبر فالق زلزالي " الأخدود الإفريقي العظيم"
وكشف عباس شراقي أن إثيوبيا لديها أكبر فالق زلزالي على سطح الأرض، ويسمى الأخدود الإفريقي العظيم، ويقسم إثيوبيا إلى نصفين، أدى إلى خسف الأرض إلى 125 متراً تحت سطح البحر، وخرجت براكين ارتفاعها أكبر من 4600 متر، وخلقت نظاماً مطرياً فريداً على مستوى العالم.

وقال شراقي أن ليست هناك مشكلة من حجم السدود بدليل أن "سد الحجم" حجمه ضعف حجم سد النهضة ولكن الأهم أن يتناسب مع المنطقة من الناحية الجيولوجية بعيدا عن أي نشاط زلزالي أو فوالق زلزالية، مشددًا على أنه لو انهار سد النهضة بفعل الزلازل سيكون الأمر بمثابة طوفان على السودان لم تشهده البشرية من قبل، ويعادل "طوفان سيدنا نوح"، ويهدد 20 مليون سوداني يعيشون على طول النيل الأزرق بالكامل بما فيها الخرطوم، لأن السد يقع في منطقة أعلى من الخرطوم بـ350 مترا، والمسافة 500 كلم فقط، ومن هنا يحدث اندفاع للمياه بكميات كبيرة.
تعقيدات سد النهضة
يذكر أنه قبل أسابيع اتخذت إثيوبيا خطوات جديدة لبدء الملء الخامس دون تنسيق مع مصر والسودان، وكشفت صور فضائية أن إثيوبيا بدأت عملية تعلية السد عبر الممر الأوسط، وصب الخرسانة بعد تجفيفه.

كما أظهرت الصور وجود حفارين يعملان لأول مرة أعلى الممر الأوسط، ربما بغرض عمل مجسات أو روابط مع الخرسانة الجديدة، وكانت المفاوضات بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) حول هذا السد الضخم الذي لا يزال يثير قلقاً مصرياً وسودانياً انتهت في ديسمبر من العام الماضي (2023) دون التوصل لتفاهم يرضي كافة الأطراف.