الخميس 17 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

شهد العالم خلال العقود الأخيرة موجة متلاحقة من التحولات الجيوسياسية التي أعادت رسم خرائط النفوذ والتأثير، لاسيما منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، حيث بزغ نظام عالمي جديد محكوم بالهيمنة الأحادية للولايات المتحدة.

لكن قراءة موازين القوى مع بداية القرن الحادي والعشرين تفتح الباب أمام احتمال تحوّل هذا النظام إلى تعددية قطبية، خاصة مع تصاعد دور قوى مثل روسيا والصين.

في قلب هذا المشهد المتغير، تمر منطقة الشرق الأوسط بتقلبات حادة على المستويات الجيوسياسية، مستندة إلى عناصر تتجاوز الموقع الجغرافي، لتشمل موارد الطاقة، الكثافة السكانية، التفاعلات الاقتصادية، والتوازنات العسكرية، وهو ما يعكس أثرًا مباشرًا على الأوضاع الأمنية في الإقليم والعالم.

تحولات جيوسياسية وأزمات وصراعات.. هذا ما ينتظر العالم في 2025

محاور التغيير الجيوسياسي

البيئة الاستراتيجية الدولية أصبحت اليوم أكثر اضطرابًا، مع مؤشرات على ولادة نظام دولي جديد، وإن كان من المبكر الجزم بمعالمه النهائية قبل نهاية العقد الحالي. التحالفات بين قوى كبرى كالصين وروسيا تسعى لتقويض التفرد الأمريكي بصياغة قواعد اللعبة الدولية، خاصة في قضايا التدخل في النزاعات ومعالجة الأزمات.

صعود الصين كقوة عالمية لا يقتصر على المجال الاقتصادي، بل يمتد ليطرح تحديًا سياسيًا واستراتيجيًا أمام الولايات المتحدة. وبالرغم من أن إعادة توزيع مناطق النفوذ تجري ضمن قواعد مألوفة، إلا أن التنافس المحتدم لا ينفك يُنتج تحولات متسارعة.

من جانبها، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على زعامتها للعالم من خلال عناصر قوتها الشاملة، لكنها تجد نفسها مضطرة للتعامل مع أوزان جديدة على الساحة مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا، بالإضافة إلى الأدوات غير التقليدية التي تمثلها المنظمات الدولية.

أما روسيا، فتسعى جاهدة لاستعادة موقعها العالمي، كما يظهر جليًا في تدخلاتها بأوكرانيا وسوريا، ورفضها المطلق لتوسع الناتو في شرق أوروبا، في مقابل دعم صيني لموقفها المناهض للهيمنة الغربية.

وفي ظل هذا التنافس، تزايد الوجود العسكري الأجنبي في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط تحت غطاء "محاربة الإرهاب"، وهو ما فتح أبواب التدخل في الشؤون الداخلية لكثير من الدول، وهدد السيادة الوطنية لبعضها.

الحرب التجارية الصينية – الأميركية في ميزان التحوّلات الجيوسياسية - جريدة  الحرة

تحولات القوى الكبرى

الصين وسّعت من نطاق نفوذها عبر التمدد في بحر الصين الجنوبي ومبادرة "الحزام والطريق"، بينما تمسكت الولايات المتحدة بسياسة "أمريكا أولاً" وأعادت ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، وفي المقابل، عززت روسيا وجودها العسكري في أفريقيا، بالتوازي مع عملياتها في أوكرانيا وسوريا، لتؤكد اهتمامًا متزايدًا بالقارة السمراء.

بؤر الأزمات الإقليمية

الشرق الأوسط ما زال مسرحًا لصراعات لا تهدأ، من سوريا ولبنان إلى اليمن والعراق والسودان وأفغانستان وليبيا. 

هذه الأزمات متشابكة ومعقدة، وتنتج عن تفاعل قوى داخلية وخارجية على حد سواء، فضلًا عن التهديدات الأمنية والاقتصادية التي تخنق الاستقرار.

في شرق آسيا، يشكّل ملف تايوان مصدرًا لتوتر مستمر، فبينما ترى تايوان أن بكين تسعى لفرض السيطرة بالقوة، تؤكد الصين أن الجزيرة جزء لا يتجزأ من أراضيها، وترفض صيغ "بلد واحد بنظامين"، وهو ما يثير مخاوف من صدام عسكري.

أما في أفريقيا، فقد شهد القرن الأفريقي خلال وبعد الاستعمار تغيرات جذرية في التكوين الجغرافي والسياسي، أفضت إلى ظهور دول جديدة مثل إريتريا (1993) وجنوب السودان (2011)، بينما ظلت المنطقة رهينة لصراعات إثنية وسياسية متداخلة.

الصورة الجيوسياسية الجديدة للشرق الأوسط | شفقنا العربي

التهديدات الأمنية في الإقليم

تجلّت التداعيات الأمنية بوضوح في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، حيث تعرض لهجوم إسرائيلي عنيف أُطلق عليه "الأسوار الحديدية"، في رد على عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس. 

ووفق بيانات الأمم المتحدة (يوليو 2025)، تجاوز عدد الشهداء 58 ألفًا، بينهم آلاف النساء والأطفال، إلى جانب نحو 110 آلاف مصاب، وتدمير حوالي 70% من البنية التحتية، بتكلفة إعادة إعمار تقدَّر بـ18.5 مليار دولار، وتشريد داخلي لحوالي 1.8 مليون شخص، يعاني معظمهم من خطر المجاعة.

في الوقت ذاته، يتجه العالم إلى سباق تسلح جديد، يعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والأسلحة السيبرانية. 

هذا النوع من الحروب "الهجينة" يشمل التجسس، ونشر الفوضى، واستهداف البنى التحتية الحساسة.

وفي الجانب الإنساني، تسببت النزاعات في موجات هجرة غير شرعية من أفريقيا نحو أوروبا وشمال أفريقيا، إلى جانب تصاعد النزوح الداخلي.

أما أزمة مياه النيل، فتشكل تحديًا استراتيجيًا لمصر، خاصة في ظل السياسات الأحادية التي تبنتها إثيوبيا في إنشاء سد النهضة، بعيدًا عن أي تنسيق مسبق مع دول المصب.

تشكل التحالفات الإقليمية

شهد مضيق هرمز منذ 2019 هجمات على ناقلات نفط، دفعت واشنطن لتشكيل تحالفات بحرية لتأمين حرية الملاحة، متهمة إيران بالمسؤولية. كما تقود الولايات المتحدة تحالف "القوات البحرية المشتركة" الذي يغطي ممرات استراتيجية من خليج عدن إلى المحيط الهندي، بما يعكس أبعاد الصراع الجيوسياسي على الممرات البحرية.

المقرر: جيوسياسية العلاقات الدولية | E-learning

صراعات دولية على النفوذ

الحرب الروسية الأوكرانية مثّلت أبرز معارك النفوذ العالمي، وتزامنت مع صعود استراتيجيات الحروب الهجينة والمعلومات المضللة، والتنافس الدولي على الاستثمار في الثورة الرقمية، في الوقت الذي عاد فيه أمن الطاقة ليتصدر الأجندة الأوروبية.

العالم أمام نظام جديد؟

إن تشكل نظام عالمي جديد وفق الرؤية الصينية/الروسية يتطلب دعمًا واسعًا من دول الجنوب، مقابل ما تقدمه الولايات المتحدة من مؤسسات عالمية مثل الناتو والبنك الدولي وصندوق النقد. فهل تنجح بكين وموسكو في تأسيس مؤسسات موازية تقدم برامج تنموية جذابة؟ الإجابة مرهونة بتوازن القوة والموارد.

من جهة أخرى، كشفت جائحة كورونا أهمية التكنولوجيا كعنصر رئيسي في الصراع الدولي. الدول التي استثمرت سرًا في الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطائرات دون طيار، اضطرت لاستخدامها علنًا لتقليل تداعيات الوباء، مما عزز حضور "الأمن السيبراني" كعامل مركزي في معادلة الأمن الدولي.

أزمات إنسانية وكوارث بيئية

النزاعات تفرز أزمات إنسانية خانقة، تدفع ملايين البشر إلى الهجرة أو العيش في ظروف قاسية. وفي الخلفية، يتقدم خطر التغير المناخي الذي بات يهدد مستقبل البشرية، ويستدعي استجابة دولية عاجلة لحماية التوازن البيئي.

مفهوم الموقع الجيوسياسي - موضوع

استراتيجيات المواجهة المطلوبة

ما يفرضه الواقع من تحديات معقدة يتطلب تحركات مرنة، وسياسات بعيدة عن النمطية، قائمة على تعزيز التعاون الدولي، والارتقاء بقدرات الدول في الجوانب غير التقليدية مثل التكنولوجيا والأمن السيبراني.

كما لا غنى عن تبني استراتيجيات إنسانية متقدمة للتعامل مع الكوارث والنزاعات، في وقت أصبح فيه مصير المجتمعات يتحدد بما تمتلكه من أدوات رقمية وموارد معرفية، لا بمجرد قوتها العسكرية فقط.

في النهاية، فإننا أمام مشهد عالمي يعاد تشكيله بصخب، محكوم بصراعات النفوذ والمصالح والموارد، وفي القلب من هذا المشهد يقف الأمن الإقليمي والدولي على خط النار.

لواء دكتور: عادل الديب 

مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة الأسبق

تم نسخ الرابط