القمص بطرس الجبلاوي، كاهن الكنيسة ورمز الوحدة الوطنية في بورسعيد

ودعت بورسعيد ومصر بأسرها القمص بطرس الجبلاوي، أحد أبرز رموز الوطنية والوحدة الدينية، بعد رحلة امتدت لأكثر من سبعة عقود في خدمة الكنيسة والمجتمع، وترك خلالها بصمة لا تنسى في العمل الوطني والروحي، ولم يكن مجرد كاهن، بل مقاومًا وأبًا وصوتًا للحق في وجه العدوان.
عزاء وطني في كنيسة مارجرجس ببورسعيد
وفي مشهد مؤثر اجتمع فيه المسلم والمسيحي، الكبير والصغير، شهدت كنيسة مارجرجس التاريخية ببورسعيد مراسم عزاء القمص بطرس الجبلاوي، بحضور المئات من أبناء المحافظة، وسط حالة من الحزن العميق والدموع الصادقة، تقديرًا لما مثّله الراحل من رمز للمحبة والتسامح والبطولة الوطنية.
وداع رجل جمع بين الكهنوت والمقاومة
ولم يكن القمص بطرس مجرد راع للكنيسة، بل أيقونة وطنية لا تُنسى، إذ شارك في المقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثي عام 1956، وكان يخطب في المواطنين من منبر المسجد العباسي، داعيًا للصمود والوحدة، كما شارك في دعم المقاومين في الميدان، وهو ما جعله لاحقًا عضوًا في مجلس حرب بورسعيد بتكليف من الرئيس الراحل أنور السادات.
سيرة حياة: 93 عامًا من الوطنية وخدمة الكنيسة
ولد القمص بطرس الجبلاوي في عام 1931، ورُسم كاهنًا عام 1954 وهو في سن الثانية والعشرين، وخلال 75 عامًا من الكهنوت، ظل خادمًا وفيًّا للكنيسة، ناشرًا لقيم المحبة، والخير، والتسامح، حتى وافته المنية في الولايات المتحدة عن عمر ناهز 93 عامًا.

واشتهر القمص بطرس بمبادراته الاستثنائية في تعزيز الوحدة الوطنية، حيث كان أول من بادر بإقامة موائد إفطار رمضانية داخل الكنيسة، وهو تقليد ترسّخ وانتشر في محافظات أخرى، وجسّد من خلاله نموذجًا حيًا للتآخي بين المصريين.
الشيخ إبراهيم العتمة، صديق العمر والمواقف الطريفة
واشتهرت علاقة القمص بطرس بالشيخ إبراهيم العتمة، مأذون بورسعيد التاريخي، بعلاقة إنسانية خاصة، جمعت بين روح الدعابة والمحبة الصادقة، ومن الطرائف المتداولة، أن الشيخ العتمة كان يختتم دعاءه في العزاءات بالدعاء "لأموات المسلمين"، ثم يضيف مبتسمًا: "اللهم ارحم أموات المسيحيين أيضًا.. علشان أبونا بطرس موجود"
رجل الدين الذي خدم الناس من رصيف الكنيسة
حين انتخب عضوًا في المجلس المحلي لبورسعيد، لم يكتف القمص بطرس بتمثيل الكنيسة، بل نزل إلى الشارع، واستقبل شكاوى المواطنين على رَصيف الكنيسة، ليساعد من لا يستطيع الدخول إلى الكنيسة لطلب المساعدة، ليُصبح بذلك كاهنًا للقلوب قبل أن يكون كاهنًا للمذبح.
كلمات الوداع: المطرانية تنعي رجلًا من طراز فريد
أصدرت مطرانية الأقباط الأرثوذكس ببورسعيد بيانًا رسميًا نعت فيه القمص الجبلاوي، واصفة إياه بأنه "رجل وطني من طراز نادر"، مشيرة إلى أن ذكراه ستبقى خالدة في قلوب أبناء بورسعيد ومصر، لما قدمه من عطاء خالص ومواقف خالدة، وبرحيل القمص بطرس الجبلاوي، تخسر مصر أحد أبطالها الحقيقيين، الذين آمنوا أن الدين لا يتعارض مع الوطنية، بل يعززها، وكان صوته في الكنيسة كما في المسجد، داعيًا للمحبة والحق.