
في الوقت الذي تصاعدت فيه ألسنة اللهب من حريق سنترال رمسيس، تصاعد معها دخان آخر أشد خطورة، دخان الشماتة السوداء التي أطلقها أعداء الوطن عبر منصاتهم الخارجية، فرحين بما حدث، متمنين السقوط والانهيار، ومرددين عبارات التشفي والتحريض، وكأن الوطن ليس وطنهم، وكأن الشعب ليس من أهلهم.
ولأن الأمر لم يعد مجرد اختلاف سياسي أو نقد مشروع، بل شماتة موثقة وتشفٍ في مصيبة وطنية تمس حياة ملايين المصريين، كان لا بد من الوقوف أمام هذا المشهد من زاوية شرعية وأخلاقية، توضح حكم الشماتة في الإسلام، وموقف الشريعة من التآمر على الدولة أو التحريض ضدها.
الشماتة في الإسلام.. خلق مذموم ونهج المنافقين
الإسلام دين رحمة وتراحم، ينهى عن التشفي، ويربي أتباعه على التعاطف مع المصابين والدعاء لهم، لا الفرح بما أصابهم.
قال تعالى واصفًا حال المنافقين: "إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا" [التوبة: 50]. وهذا الوصف القرآني دقيق؛ فالمنافق لا يفرح للخير، بل يُظهر السرور عند نزول البلاء، ويكشف عن سوء طويته في لحظة المصيبة.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشماتة بقوله: "لا تُظهِرِ الشماتةَ لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك" [رواه الترمذي]، وهو تحذير واضح من التشفي، لأنه يورث العقوبة، ويظهر خبث القلب.
وإذا كانت الشماتة في الأفراد محرمة، فكيف حين تكون الشماتة في وطن بأكمله؟ في مؤسساته، في اقتصاده، في أمنه، وفي أرواح أبنائه؟
الشماتة في حريق سنترال رمسيس لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت رسائل عدائية تعبر عن الحقد، وتفضح أجندات خبيثة لا علاقة لها بالإصلاح أو الوطنية، فحب الأوطان من الإيمان، والفرح بكارثة وطنية دليل انعدام الإيمان وسقوط الأخلاق.
التآمر على الدولة.. خيانة كبرى وحرام شرعًا
الخروج على الدولة، أو التحريض على مؤسساتها، أو إشاعة الفوضى، أو بث الفتن، كل ذلك محرم شرعًا، ومخالف لأصل عظيم من أصول الدين، وهو حفظ الأمن والاستقرار.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " - مَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ علَى رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ" [رواه مسلم]، وهذا الحديث صريح في تحريم التمرد على الجماعة وتفكيك كيان الدولة.
وقد أوجب الإسلام طاعة ولي الأمر في غير معصية، لما في ذلك من حفظ للمجتمع، ودرء للفتن، وسد لباب التدخلات الخارجية.
أما من يجلس في الخارج، ويتحين لحظة ضعف ليتشفى أو يحرض، فهو خارج عن جماعة المسلمين، وعليه وزر من يشجعهم على الفوضى والكراهية.
ومصر التي ذكرت في القرآن، والتي بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالأمان، لا يجوز لمسلم أن يشمت في مصيبتها، أو يتمنى لها الخراب، أو يفرح بكارثة حلت بمواطنيها.
إن الشماتة في حريق سنترال رمسيس كشفت أقنعة، وأظهرت حقيقة من يتاجر بالشعارات بينما يخفي في قلبه الحقد والكراهية.
الإسلام حرم التشفي، وأمرنا بالدعاء للمصاب، لا الفرح بمصيبته كما حرّم التآمر على الدولة، واعتبر الأمن نعمة يجب الحفاظ عليها.
اللهم احفظ مصر من كل شر، واجعل هذا الوطن آمنًا مطمئنًا، وسخّر له من أبنائه من يحبونه ويخافون عليه، لا من يشمتون في مصائبه ويشعلون نار الفتنة من حصون الغرب.
د. أماني الليثي
داعية إسلامية