الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

يأتي يوم عاشوراء كل عام ليوقظ في القلوب معنى لا يتغير، وليعيد للروح توازنها بعد غفلة، إنه اليوم العاشر من شهر الله المحرّم، يومٌ اصطفاه الله من بين الأيام، فجعله رمزًا للنجاة، وعلامة فارقة في مسار التاريخ الإنساني، وبابًا مفتوحًا للغفران والتوبة لمن صدق في العودة.

في عاشوراء، لا نتأمل حدثًا عابرًا، بل نعود إلى أصل الحكاية: نبيٌّ كريم، موسى عليه السلام، يفرّ من بطش فرعون، يحمل في قلبه يقينًا لا يتزحزح، وفي عينيه دمعة النجاة، وفي يده عصا صدقٍ تشقّ البحر. 

في تلك اللحظة الفاصلة، لم يكن البحر طريقًا للهروب، بل كان شهادة على أن الله لا يخذل عباده، وأن طريق النجاة قد يبدو مستحيلاً لكنه ممكن بإذن الله.

لذلك صام النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا اليوم، شكرًا لله، وقال: "نحن أحقّ بموسى منهم"، في إعلانٍ خالد أن الإيمان ليس توراثًا، بل صدقٌ في الاتباع والاقتداء. 

صيام يوم عاشوراء سنة نبوية ورسالة إليهة

فكان صيام عاشوراء سنة نبوية خالدة، تُطهّر ذنوب عامٍ مضى، وتغسل بها الروح أحزانها وهمومها، وتعيد للمؤمن لذّة الشعور بالقرب من ربه، بعيدًا عن صخب الدنيا.

عاشوراء هو يوم شكر، لا يوم حزن، هو زمن للتأمل والتوبة لا للبدع والفتن، هو مناسبة يُستحضر فيها المعنى، لا المبالغات. عند أهل السنّة، لا يُجعل من هذا اليوم مأتمًا، ولا يُحيا بطقوس تخالف السنّة، بل يُصام إيمانًا واحتسابًا، وتُزرع فيه معاني الصبر، والتسليم، واليقين، والتوسعة على الأهل، كما أوصى الصحابة والعلماء الربانيون.

رسائل عاشوراء في زمننا المعاصر

في عالمٍ يعجّ بالظلم والصراعات والقلوب المرهقة، تأتي عاشوراء لتقول لنا: إن نجاتك ليست دائمًا في تغير الواقع، بل في صلابة الإيمان. 

إنها فرصة لنجاة داخلية، لمصالحة مع الله، لبداية جديدة مهما كانت الأعباء الثقيلة، والخطايا متراكمة. 

إنها لحظة للانكسار بين يدي الرحمن، حيث الصيام فيها لا يعني مجرد الامتناع عن الطعام، بل تدريب للروح على الامتناع عن المعصية، عن الغفلة، عن اليأس.

عاشوراء هي تذكير أن النجاة لا تأتي دائمًا من خارجنا، بل من قلوبنا حين تعود إلى فطرتها. 

هي صوت موسى وهو يقول: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، وصوت النبي وهو يقول: "صوموا فإنّي صائم"، وصوت السماء وهو يفتح أبواب الرحمة لمن تاب وآمن وعمل صالحًا.

في هذا اليوم، اجعل من قلبك بحرًا يشقّه الإيمان، وامنح نفسك فرصة للغفران، وافتح للرجاء نافذة، وقل كما قال موسى: "ربّ إني لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقير".

إن يوم عاشوراء ليس مجرد تاريخ، بل رسالة، رسالة تقول إن الله ينظر إلى قلوب عباده، يفرح بتوبتهم، ويُكرم صبرهم، وينقذهم إذا ضاقت السبل. 

فعش هذا اليوم كما أراده الله لك: صيامًا، شكرًا، توبة، ورجاءً لا ينقطع، فربّ البحر الذي انشقّ لموسى، قادر أن يشقّ لك من حزنك فرجًا، ومن خطيئتك طريق نجاة.

سامي حسني

تم نسخ الرابط