الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

في زوايا مغلقة من المجتمع، ووراء أبواب البيوت التي يفترض أنها آمنة، تقبع أزمة إنسانية صامتة تهدد آلاف السيدات في مصر، إنها ظاهرة إدمان النساء.

تلك الأزمة التي تتفاقم عامًا بعد عام دون أن تحظى بالاهتمام الكافي من المجتمع، ولا التغطية المناسبة من الإعلام، رغم أنها تحمل في طياتها معاناة نفسية واجتماعية مركبة، وانهيارًا صامتًا في جسد وروح فتيات وسيدات هنّ في الأصل ضحايا، لا جناة.

نسبة إدمان النساء في مصر: أرقام تدق ناقوس الخطر

بحسب تصريحات الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة الإدمان، فإن نسبة النساء المدمنات في مصر بلغت 5% من إجمالي المترددين على مراكز العلاج، والذين يصل عددهم إلى 170 ألف مريض سنويًا. 

هذه النسبة التي تبدو قليلة في ظاهرها، تحمل دلالات خطيرة، إذ إن حالات النساء غالبًا ما تكون أخطر وأكثر تعقيدًا من الناحية النفسية والاجتماعية، وتخضع لقدر كبير من التعتيم والخوف.

ففي مجتمع يُحاكم المرأة أخلاقيًا بشكل مضاعف، قد تتحول محاولة التعافي نفسها إلى مغامرة محفوفة بالخسائر، تكون نتائجها أشد قسوة، فقدان الحضانة، الطرد من الأسرة، النبذ من العمل، أو حتى التعرض للعنف.

أسباب إدمان النساء في مصر: الألم المختبئ خلف الصمت

النساء لا يلجأن إلى المخدرات من باب الفضول أو الترف، بل غالبًا ما يكنّ ضحايا لضغوط نفسية خانقة، أو صدمات قاسية مثل الطلاق، العنف الأسري، الابتزاز العاطفي، أو التحرش. 

وكثيرًا ما تكون بداية السقوط في الإدمان داخل البيت ذاته، حيث تتحول الأدوية المهدئة إلى إدمان مقنع لا يُكتشف إلا بعد فوات الأوان.

ويؤكد عثمان أن 60% من المدمنين يعيشون مع أسرهم، ما يعكس غياب الدور الوقائي للأسرة، وفشلها في رصد التغيرات النفسية والسلوكية التي تنذر بالخطر.

المخدرات التخليقية تقتحم البيوت وتهدد الأسرة المصرية

أصبح الخطر أكبر مع المخدرات التخليقية، وهي مواد صناعية سريعة الإدمان، ورخيصة الثمن، ومميتة التأثير. 

حيث كشف صندوق مكافحة الإدمان أن نسبة تعاطي هذه المواد ارتفعت من 8% في عام 2020 إلى نحو 50% اليوم، ما يعني أن نصف المدمنين الجدد في مصر يعتمدون على مواد شديدة الخطورة مثل الفينتانيل والميث وغيرها، والتي تنتشر بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي وفي المدارس والجامعات.

هذه السموم لا تترك وقتًا للندم، بل تنهي حياة المستخدم في صمت، كما حدث في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة، التي سجلت أكثر من 132 ألف حالة وفاة بسبب الجرعة الزائدة خلال عام واحد.

علاج الإدمان في مصر: هل النساء لهن مكان آمن؟

في مواجهة هذه الكارثة، بدأ صندوق مكافحة الإدمان في تخصيص أقسام علاجية منفصلة وآمنة للنساء، مع تأكيد أن العلاج متاح مجانًا، وبشكل سري تمامًا، لكل من تتقدم طوعًا بطلب العلاج، دون عقوبات أو فضائح. 

بل إن الدولة تمنح النساء فرصة حقيقية للتعافي إذا بادرن مبكرًا، بينما يتم فصل الموظفين الذين يُضبطون تحت تأثير المخدر خلال ساعات العمل.

كما أثبت قانون كشف تعاطي المخدرات داخل مؤسسات الدولة فاعليته في الردع؛ إذ خفّض نسبة التعاطي بين الموظفين من 8% إلى 0.5% فقط، وكذلك بين سائقي حافلات المدارس من 12% إلى 0.5%.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا يجب على المجتمع دعم النساء في مواجهة الإدمان؟

والإجابة بكل موضوعية، لأن الإدمان مرض لا عار، والمرأة المدمنة ضحية لا مجرمة، كما أن تخلي الأسرة والمجتمع عن المرأة في لحظة ضعف هو مشاركة ضمنية في تدميرها. 

إننا نحتاج إلى بيئة نفسية آمنة، تدعم المرأة في أزمتها، لا أن تدفعها إلى مزيد من الإخفاء والإنكار.

كما أن الإعلام، والمؤسسات الدينية، والمدارس، والمجتمع المدني، مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى بتغيير نظرة الناس إلى هذه القضية، والخروج من دائرة الأحكام الأخلاقية إلى مساحة الرحمة، والعلاج، والوقاية.

هبة صالح

تم نسخ الرابط