حرائق غابات القارة العجوز بين فعل التغيرات المناخية والعوامل البشرية

في موجة جديدة من الكوارث الطبيعية نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة تمثلت في موجة اندلاع ضخم في حرائق الغابات في تركيا، يأتي هذا في إطار نمط متكرر يضرب دول حوض البحر المتوسط صيفًا، في ظل ما يصفه الخبراء بأنه "بؤرة حرائق متنامية" بفعل التغيرات المناخية المتسارعة.

شهدت تركيا تصاعدًا كبيرًا في حرائق الغابات تزامنًا مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وقلة الأمطار، وسط دعوات متكررة لاتخاذ إجراءات وقائية أشد صرامة لحماية الغطاء النباتي والتجمعات السكانية.
وسجل البحر الأبيض المتوسط درجة حرارة قياسية، نسبة إلى هذا التوقيت السنوي، عند 26,01 درجة مئوية، بحسب بيانات خدمة "كوبرنيكوس" الأوروبية، إذ أظهرت الأرقام الرسمية تسجيل 1516 حريقاً منذ الأول من يونيو الماضي، حسبما ذكرت وسائل إعلام تركية إذ ارتفعت حرائق الغابات في تركيا بشكل كبير مع بداية فصل الصيف.
فرق الانقاذ تواصل السيطرة على الحرائق
تواصل فرق الإطفاء التركية مكافحة الحرائق المندلعة في تضاريس جبلية وعرة بإزمير، مستخدمة طائرات مروحية وطائرات إطفاء لرش المياه، فيما أُغلقت بعض الطرق المؤدية إلى بلدة تشيشمي السياحية على بحر إيجة، مع عرض مشاهد مباشرة لألسنة اللهب وهي تقترب من الطرق السريعة الرئيسية.
انتشار واسع للحرائق بسبب ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وقلة الأمطار
تمكنت القوات حتى الأن في السيطرة على 1507 حريق، وألقت بأكثر من 33 ألف طن من المياه لإخماد النيران، ونفذت طواقم الطائرات 10260 طلعة جوية، كما حشدت السلطات التركية ما يقرب من 6000 شاحنة إطفاء ومركبة استجابة أولية، إلى جانب 25000 موظف لاحتواء حرائق الغابات في تركيا.
كما عملت فرق الإطفاء بشكل متواصل لمكافحة الحرائق، بدعم من أسطول جوي واسع يضم 27 طائرة و105 مروحيات و14 طائرة مسيرة، لمواجهة حرائق الغابات المتزايدة.

خسائر تركيا جراء حرائق الغابات
سجلت السلطات التركية، حتى أمس فقط الخميس، ثاني حالة وفاة جراء حرائق الغابات المستمرة منذ أسبوع في غرب البلاد.
وتكافح فرق الإطفاء لإخماد حريق غابات اندلع على حدود منطقني مندرس وسفري حصار في ولاية إزمير التركية، ويُهدّد الحريق منازل ومناطق صناعية في محافظة إزمير، إذ انتشر بسرعة بسبب الرياح الشديدة التي تراوحت سرعتها بين 70 و117 كيلومترًا، كما جرى إخلاء خمسة أحياء.
واندلع حريق آخر في مكب للنفايات في غازيمير على بعد 13 كلم من وسط مدينة إزمير، وانتشر أيضًا في الغابة، مهددًا المنطقة الصناعية في أوتوكنت والتي تضمّ العديد من وكالات السيارات.
لقي سائق حفار يُدعى إبراهيم دمير مصرعه أثناء مشاركته في جهود الإطفاء في منطقة أوديميش بولاية إزمير، ليكون الضحية الثانية للحرائق، بعد وفاة رجل مسن (81 عاماً) كان طريح الفراش، عندما اجتاحت ألسنة النيران منزله في المنطقة ذاتها، هذا حسبما أفادت وكالة "الأناضول" الرسمية.
وتوفي مسن في حريق غابات في محافظة إزمير بغرب تركيا، فيما ساعدت الرياح العاتية حريقي غابات للخروج عن السيطرة.

الرياح تعرقل جهود الإطفاء
وأوضحت إدارة الإطفاء والغابات في إزمير إلى أنّ "الرياح" القوية التي تشهدها المنطقة ساعدت كثيرًا في انتشار الحريق، ما صعّب من جهود السيطرة عليه، في ظل تضاريس وعرة تعيق الوصول إلى بعض الجيوب المشتعلة.
حرائق بسبب أسلاك كهرباء
وفي الوقت نفسه اشار سليمان ألبان محافظ إزمير أن "تسع طائرات و22 مروحية و1100 مركبة (إطفاء وغيرها) تكافح الحريقين – بشكل مكثف، إذ أن الحريقين اللذين اندلعا في المحافظة، بالإضافة إلى الحريقين اللذين اندلعا في نهاية الأسبوع تمت السيطرة عليهما، "كان سببها أسلاك كهرباء".
ويُذكر أنه قد اندلع حريقان في وقت سابق، أحدهما في منتجع أنطاليا (جنوب) والثاني في غابة سلطان غازي بإسطنبول.

شُبهه حول جماعة "أطفال النار" في حرائق تركيا
وعلى جانب آخر فيما أثارت جماعة غامضة تدّعي صلتها بحزب العمال الكردستاني تُدعى "أطفال النار" تبنيها مسؤولية إشعال "عشرات الحرائق" في ست مدن تركية، إذ أعلنت جماعة "أطفال النار"، عبر بيان على الإنترنت مسؤوليتها عن إشعال العشرات من الحرائق المتعمدة، وأن لديها نشاط في ست مدن تركية، وتزعم الجماعة أنها تابعة لحزب العمال الكردستاني المحظور، والمصنف تنظيماً إرهابياً لدى أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لم يعلق الحزب رسمياً على هذا الإعلان، ولكن يأتي الحريق بعد إعلان قيادة "العمال الكردستاني" في مايو الماضي نيتها إنهاء تمرد مسلح استمر أربعة عقود.
وأُلقي القبض رسميًا على عشرة ممن تم الاشتباه في تورطهم في الحرائق، بينما أُفرج عن عشرة آخرين تحت المراقبة القضائية ريثما تُستكمل التحقيقات، واعتقلت السلطات التركية 31 شخصًا للاشتباه في تورطهم في الحرائق.
تداعيات الكارثة والأضرار جسيمة
تسببت الكارثة في أضرار جسيمة، وفي هذا الإطار أشار ، علي يرلي قايا، وزير الداخلية التركي إن حرائق الغابات تسببت حتى الآن في تضرر نحو 200 منزل في مناطق مختلفة من غرب البلاد، مؤكداً توفير أماكن بديلة للمتضررين.، و نحو 50 ألف شخص أُجبروا على مغادرة منازلهم مؤقتاً إثر اشتداد الحرائق.
كما أفادت الوزارة بأن 110 منازل ومنشأتين تجاريتين تضررت في إزمير وحدها، إلى جانب حظيرة واحدة، فيما تضررت 69 منزلاً و3 أماكن عمل و27 حظيرة في بيليجيك، و5 منازل فقط في مانيسا.
فيما أعلنت الحكومة عن تقديم مساعدات مالية فورية للولايات المتضررة بقيمة إجمالية بلغت 21 مليوناً و603 آلاف و400 ليرة تركية، موزعة على النحو الآتي: (إزمير: 14 مليوناً و258 ألفاً و400 ليرة - بيليجيك: 5 ملايين و745 ألف ليرة - مانيسا: 1 مليون و600 ألف ليرة).

مساكن مؤقتة لتأمين احتياجات العائلات المتضررة
كما أوضحت وزارة الداخلية عن إنشاء مساكن مؤقتة على شكل حاويات في قريتين بولاية بيليجيك، لتأمين احتياجات 26 عائلة متضررة، وتم تجهيز الحاويات بكافة مستلزمات الإقامة الأساسية، من بينها مكيفات وثلاجات وأسرّة وبطانيات وأدوات مطبخ وسخانات مياه ومواقد غاز.
وقال الوزير "يرلي قايا" إن البنية التحتية لهذه القرى المؤقتة اكتملت خلال أربعة أيام فقط بعد السيطرة على الحرائق، وبدأ استقبال العائلات فيها.
مطار إزمير يعلق رحلاته مؤقتًا
فتحت السلطات تحقيقًا لتحديد ملابسات اندلاع الحريق، وحسب وسائل إعلام تركية أن مطار إزمير علّق رحلاته موقتًا.

إخلاء طرق وقرى كاملة نتيحة الحريق
أوضح النائب "صالح أوزون" عن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة أن قرية إزميرتم إخلاؤها لكن تعذر إنقاذ مسن مريض طريح الفراش، ولصعوبة السيطرة على الحريق بقرية قرب تشيشمي على بعد 80 كلم غرب إزمير، دفعت السلطات إلى إجلاء سكان ثلاث قرى أخرى.
إقرأ أيضًا
حرائق الغابات في تركيا اليوم 2025 ، الهليوكبتر تفشل في إطفاء النيران
كارثة غير مسبوقة تضرب كندا وتؤثر على أمريكا، اعرف التفاصيل
وأضاف "أوزون"، أن التدخلين البري والجوي يواجهان صعوبات كبيرة، إذ أن النيران أدت إلى قطع الطريق السريع الرئيسي في إزمير، ثالث أكبر مدينة في تركيا، إذ أن المشكلة الأكبر تتمثل في سرعة الرياح البالغة 85 كلم بالساعة ما يتسبب بامتداد الحريق بسرعة. كما أن الحريق يغير اتجاهه باستمرار.
حرائق الكهرباء بتركيا 2025
صرح إبراهيم يوماكلي وزير الزراعة والغابات، نقلًا عن جريدة "زمان" التركية إنّ عدد الحرائق التي اندلعت في تركيا وصل إلى 150 حريقًا خلال الأسابيع الماضية.
وقال محافظ إزمير، سليمان ألبان، إن الحريق نشب في مدينة إلدير الساحلية نتيجة عطل في أحد خطوط الكهرباء، مشيراً إلى أن الرياح القوية ساهمت في انتشار ألسنة اللهب بسرعة كبيرة نحو منطقتي تشيشمي وألاتشاتي، المطلتين على بحر إيجة.

دور منظمة حماية الحيوان
من جهتها، تدخلت منظمة حماية الحيوان "هايتاب" لمحاولة إنقاذ الحيوانات المصابة والاعتناء بها، حيث تم رصد عدد منها خلال محاولات السيطرة على الحريق.

تركيا تتخذ كافة الإجراءات لتجنب الحرائق
شدد الرئيس رجب طيب أردوغان على خالص تعازيه للمواطنين المتضررين من حرائق الغابات، مُحذرًا من أن جميع حرائق الغابات ناجمة عن إهمال أو قصد بشري، مضيفًا أن تركيا تتخذ كافة الاحتياطات الممكنة، وأن الإجراء الأكثر أهمية هو تجنب التسبب في الحرائق في المقام الأول، وضرورة ممارسة أقصى درجات الحذر خلال الشهرين المقبلين لحماية "الوطن الأخضر" لتركيا.
وتعد هذه الحرائق امتداداً لموجة حرائق اجتاحت إزمير في الفترة الأخيرة، إذ شهدت المنطقة دماراً واسعاً في مناطق غابات وأحراش، فيما اندلعت مئات الحرائق في أنحاء متفرقة من تركيا تمكّنت السلطات من إخماد معظمها، إلا أن بعضها لا يزال يشكّل تهديداً مستمراً بفعل العوامل الجوية.