في زمنٍ بات فيه المظهر يُروّج له على حساب الجوهر، والمعايير المادية طغت على القيم الأخلاقية، تظل عفة المرأة منارة مضيئة في دروب الحياة، وجوهرًا ساميًا لا يبهت، بل يزداد إشراقًا كلما عصفت بها رياح الفتن والمتغيرات.
العفّة ليست قيدًا يُكبّل حرية المرأة، بل تاج يزينها، وصون لكرامتها، ودرع يحفظها من الابتذال والانجراف. هي شرفٌ داخلي، قبل أن تكون سلوكًا ظاهريًا، تنبع من قناعة راسخة أن الجمال الحقيقي لا يُقاس بما تراه العيون فقط، بل بما تحمله الروح من طُهر وحياء وتقوى.

عفة المرأة... جوهر الجمال الإنساني
من أرادت الجمال الخالد فلتعلم أن العفة هي زينة الروح وطمأنينة القلب، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك" [رواه الترمذي].
وقال أيضًا: "من يَستَعفِف يُعِفَّهُ اللهُ، ومن يستَغنِ يُغنِهِ اللهُ" \[رواه البخاري] وهذه دعوة نبوية واضحة أن العفة اختيارٌ إرادي، يُثيب الله عليه بالعزة والكرامة.
إن المرأة العفيفة تُشِعُّ هيبة وجمالًا دون أن تتكلم، لأن وقارها يتحدث، وسمتها يشهد عليها، ليس ذلك نابعًا من خجلٍ مرضي، بل من حياء فطريٍ فاضل، يُعبّر عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياءُ لا يأتي إلا بخير" [رواه البخاري].
عفة المرأة في القرآن الكريم
القرآن الكريم زَخَرَ بالآيات التي تُعلي من قيمة عفة المرأة، وتحث النساء على الحياء والتستر، دون أن يُنكر لهن حقّهن في الحياة والعمل والكرامة.
يقول الله سبحانه وتعالى: "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" [الأحزاب: 33]
وقال أيضًا في محكم التنزيل: "وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" \[الأحزاب: 33]، وهي دعوة إلى التوازن، لا إلى الانغلاق.
وفي مدح السيدات الطاهرات قال سبحانه وتعالى: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة" [النور: 5-23] وجعل الله العفيفة مقامًا عاليًا، ومن أساء إليها استحق اللعن في الدنيا والآخرة.
مواقف مشرقة من التاريخ الإسلامي
في سيرة السيدة مريم البتول، نجد أسمى صور العفة، حين واجهت قريتها دون زوج أو وليّ، ومع ذلك قال عنها القرآن: "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا" [التحريم: 12]، فقد صانت نفسها، فرفعها الله مكانًا عليًّا، وجعلها رمز الطهر والإيمان.
وفي سير الصحابيات نجد نموذجًا كالسيدة فاطمة الزهراء، التي كانت مثالًا للحياء والعفاف، حتى قال عنها النبي: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة"، وكان حياؤها يشعّ حتى في لحظات الألم.

الحكمة الخالدة: العفة قوة لا ضعف
يظن البعض أن العفة ضعف، لكنها في حقيقتها قوة داخلية، وانتصار على الشهوات، وحكمة في ضبط المشاعر، وصوت ضمير حيّ لا يُساوم.
قيل في الحكمة: "العفة زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلاء."
كل فتاة تُمسك بزمام أخلاقها، وتختار عفتها وحيائها، هي فتاة تعرف قيمتها، وتحفظ روحها من التلوث.
كل امرأة تُربّي ابنتها على العفة، هي تبني جيلًا أصيلًا، راسخًا، لا تهزه صيحات الموضة ولا دعايات الانفلات.
رسالة إلى كل فتاة وامرأة
كوني كما أرادك الله: نقية، راقية، واثقة أن الجمال الحقيقي لا يُشترى ولا يُصنع، بل يُولد من نور الإيمان وحياء القلب.
كوني فاطمة، أو مريم، أو خديجة، أو زينب...
كوني امرأة تصون كرامتها، وتُعلّم من حولها أن الفضيلة لا تبطلها الحداثة، بل تُجمّلها.
في زمن صاخب، اختاري الصمت إذا كان صوتك سيُسقطك من مقامك.
اختاري العفة، فإنها سرّ جمالك الذي لا يبهت، ووسامك الذي لا يسقط.