الجمعة 04 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

تُعدّ القوى الذكية مفهومًا متقدمًا يعكس التكامل بين القوة العسكرية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية لتحقيق الأمن القومي. يشمل هذا المفهوم استخدام الموارد بشكل فعّال لتحقيق الأهداف الوطنية.

في ظل التحولات المتسارعة على الساحتين الدولية والإقليمية، أصبح مفهوم "الأمن القومي" أكثر تعقيدًا وتعددًا؛ فلم يعد مقتصرًا فقط على العوامل العسكرية أو الاقتصادية، بل أصبح يشمل أيضًا القوى الناعمة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما يُطلق عليه "القوى الذكية". وفي هذا السياق، تسعى مصر إلى تطوير استراتيجيات أمنية تتماشى مع التحديات الجديدة التي فرضتها العولمة والتقدم التكنولوجي.

يرتكز النظام السياسي الدولي على عناصر القوة التي تمتلكها الوحدات السياسية، سواء من الدول أو من الفواعل من غير الدول، ومقدار ما تملكه من قوة هو الذي يتحكم في موقعها وترتيبها داخل الهرم السياسي الدولي.

كيف تنجح الدولة في توظيف مقومات قدراتها الشاملة؟

وكلما زادت قدرة الدولة على توظيف مقومات قوتها (الصلبة، والناعمة، والذكية) في سياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية، زادت قدرتها على تحقيق مصالحها وأمنها القومي بأعلى النتائج وأقل تكلفة.

تتسم البيئة الأمنية العالمية اليوم بالتعقيد والتغير المستمر. وتُمثّل القوى الذكية أسلوبًا استراتيجيًا يدمج بين الوسائل العسكرية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية لتحقيق الأهداف الوطنية وضمان الأمن القومي. ويتطلب هذا النهج تحليلًا دقيقًا للعوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على أمن الدول.

مفهوم القوى الذكية ليس جديدًا أو مبتكرًا، وإنما هو نتاج الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة وفقًا لاستراتيجية محددة. أما مصطلح "سياسة القوى الذكية" فهو الجديد، وإنْ كانت الأساليب والأدوات التي تنطوي عليها هذه السياسة ليست مستحدثة.

القوى الذكية من منظور الأمن القومي

تُعرَّف القوى الذكية بأنها مزيج بين القوة الصلبة (العسكرية) والقوة الناعمة (الدبلوماسية والثقافة) لضمان تحقيق الأمن القومي. ويعتمد هذا المفهوم على فهم التحديات المعقدة التي تواجه الدول في القرن الحادي والعشرين، ويعني قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوتين بطريقة تضمن تدعيم قدراته وتوظيفها لتحقيق الأهداف بكفاءة وفعالية، أي الربط بين التسامح والحزم.

يحتل الإعلام مكانة مميزة في قلب مفهوم القوى الذكية، بسبب قدرته الفائقة على صناعة الرأي العام، وبلورة وتشكيل وعي الأفراد والجماعات، وصياغة الأفكار التي تتحوّل لاحقًا إلى دوافع وممارسات سلوكية. ونستنتج أن للإعلام "دورًا مستترًا" يُمارَس عبر الديمقراطيات المثالية على الشعوب المستهدفة، بهدف تفريغها من عناصر القوة والممانعة.

ويُستخدم الإعلام ضمن استراتيجيات وأساليب تهدف إلى غزو العقول، وتغيير أساليب التفكير، وصناعة الأذواق، ونشر التضليل المقصود. وفي المقابل، يمكن أن يُستخدم الإعلام كوسيلة من وسائل الدفاع عن المجتمع وتحصينه ضد الدعاية المنظمة المضللة التي تستهدف الدول ومؤسساتها.

ويقول الكاتب الأمريكي "فيليب سيب" في كتابه الصادر عام 2006م عن الغزو الأمريكي للعراق: "إن معركة كسب العقول والقلوب في منطقة الشرق الأوسط لا تُخاض في شوارع بغداد فقط، بل في نشرات الأخبار وبرامج قناة الجزيرة الحوارية."

وفي ظل الثورة الرقمية وانتشار المعلومات، أصبح العنصر الأهم هو جذب انتباه الجمهور وتحقيق المصداقية لديه حتى يمكن التأثير عليه أو توجيهه، لئلا تقع السيطرة عليه من قِبل وسائل إعلام معادية.

ويُقدَّر عدد مستخدمي الإنترنت حتى بداية عام 2025 بنحو 5.64 مليار نسمة حول العالم، أي ما يعادل 69% من إجمالي سكان العالم، كما نعيش الآن حقبة البيانات الضخمة التي يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجتها، وهو ما يفتح الباب أمام شبكات التواصل الاجتماعي لممارسة التلاعب والتضليل للإضرار بالحكومات والدول.

ومن هنا تبرز أهمية دور الإعلام في استخدام سياسات القوة الناعمة/الذكية من خلال "الدبلوماسية العامة الجديدة" التي تعتمد على الجذب والإقناع عبر الوسائل المختلفة: المرئية، والمسموعة، والمكتوبة.

تُعدّ القوى الذكية أداة فعالة لتحقيق الأمن القومي في عالم يتسم بالتعقيد والترابط، وتحتاج الدول إلى تطوير استراتيجيات متكاملة تجمع بين القوتين الصلبة والناعمة لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.

النموذج المصري في تطبيق القوى الذكية

مراحل تطور القوى الذكية المصرية جاءت على النحو التالي:

  • المرحلة الأولى: صعود قوة مصر الناعمة (الهيمنة الحميدة) (1956–1970(
  • في المجال الدبلوماسي: دعم حركات التحرر العربي والأفريقي – استقلال القرار الوطني – قيادة حركة عدم الانحياز.
  • في المجال الاقتصادي: تدشين مشروعات قومية مثل تأميم قناة السويس، بناء السد العالي، مصانع الحديد والصلب والألومنيوم، وشركة النصر للسيارات.
  • المرحلة الثانية: تفوق قوة مصر الصلبة (فرض النفوذ) (1971–1973)

اكتملت قوى مصر الذكية بعد انتصار 1973، واعتُبِرت – وفق أغلب المحللين – مركز النشاط في الشرق الأوسط، لما لها من ثقل استراتيجي في منطقة حيوية للقوى الدولية الكبرى.

المرحلة الثالثة: تجريف القوى الذكية (1974–1997)

الخطوة الأولى: اختراق منظومة القيم المصرية.

الخطوة الثانية: إضعاف القوة الاقتصادية المصرية (بدأت الرأسمالية الجشعة في امتصاص موارد الدول النامية، ومنها مصر، لصالح الدول المتقدمة).

الخطوة الثالثة: إضعاف القوة الدبلوماسية المصرية (دعوات للانسلاخ عن الهوية العربية والأفريقية(

المرحلة الرابعة: غزو العقول والقلوب (سلاح الإنترنت) (1998–2012)

  • محاولات لطمس الهوية المصرية من خلال خلق حالة من اللبس حول الانتماء، وترسيخ مفاهيم الخلافة الإسلامية التي تتناقض مع الفكرة القومية وميراث الحركة القومية والدولة الحديثة.

المرحلة الخامسة: استعادة الدولة وبناؤها (2013 حتى الآن)

  • عسكريًا: لا قوة ناعمة دون قوة صلبة.
  • اقتصاديًا: تنفيذ مشروعات استراتيجية عملاقة.
  • دبلوماسيًا: تأسيس الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، رئاسة لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بناء علاقات خارجية متعددة ومتوازنة.
  • اجتماعيًا: الاهتمام بالشباب باعتبارهم مصدر القوة الناعمة، والانفتاح على شباب العالم وأفريقيا.
  • استراتيجية بناء الإنسان المصري: تطوير الفكر والمجتمع والتعليم والصحة والرياضة.

لواء دكتور: عادل الديب 

مدير مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة الأسبق

تم نسخ الرابط