خبير محليات: حادث كفر السنابسة يكشف مأساة عمالة الأطفال في القرى

قال الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية وتطوير المناطق العشوائية، إن حادث كفر السنابسة الأليم الذي راح ضحيته 19 فتاة أغلبهن في سن الطفولة، يكشف الستار عن إحدى أخطر القضايا المسكوت عنها في المجتمع المصري، وهي عمالة الأطفال في القرى والنجوع والعزب، التي تتم تحت أنظار الجميع، وتُدار خارج إطار القانون.
وفي تصريحات خاصة لموقع "الأيام المصرية"، شدد عرفة على أن الفتيات اللاتي لقين مصرعهن في الحادث المأساوي على الطريق الإقليمي، تتراوح أعمار معظمهن بين 14 و17 عامًا، وبعضهن يعدن المعيلات الوحيدات لأسرهن، بعد أن تركن مقاعد الدراسة من أجل مساعدة ذويهن، في مشهد يعكس تفاقم الفقر، وانعدام البدائل الآمنة، وغياب الدور الفاعل لوحدات الحماية الاجتماعية في القرى.

وأوضح عرفة أن هذا الحادث ليس الأول من نوعه، فقد سبقته حادثة مأساوية قبل أسابيع، راح ضحيتها 11 طفلة من العاملات في جمع محصول العنب، غرقًا في نهر النيل بعد انقلاب "معدية" كانت تقلهن، وهو ما يعكس استهتارًا رسميًا مستمرًا تجاه مأساة عمالة القاصرين، رغم تكرار الحوادث وتضخم الأرقام.
العمالة في القرى.. بطالة مقنعة تحت أعين المحافظين
وأشار عرفة إلى أن ملف عمالة الأطفال يرتبط ارتباطًا مباشرًا بملف البطالة في القرى والعزب، مؤكدًا أن مسؤولية التعامل مع هذا الملف تقع على عاتق المحافظين الـ27، كل في نطاق محافظته، بالتنسيق مع الإدارات العامة لرعاية العمالة غير المنتظمة التابعة لمديريات القوى العاملة.
وأضاف أن هناك ضرورة لإعادة تفعيل استراتيجية المجلس القومي للطفولة والأمومة المتعلقة بمكافحة عمالة الأطفال، وربط تنفيذها بسلطات المحافظين، مؤكدًا أن الأجهزة التنفيذية في المحافظات مطالبة بإجراء حملات تفتيش دورية على منشآت القطاع الخاص التي توظف الأطفال دون السن القانوني، والتحقق من توافر الشروط التي يحددها قانون العمل المعدل.
قانون بلا تطبيق.. وغرامات لا تردع
انتقد عرفة عدم تطبيق قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته بشأن عمالة الأطفال، مشيرًا إلى أن 97% من مؤسسات وشركات ومصانع القطاع الخاص لا تلتزم بالضوابط القانونية لتشغيل القصر، سواء من حيث السن أو ساعات العمل أو نوعية المهن.
وأوضح أن الأطفال العاملين في المناطق الريفية يحصلون في الغالب على رواتب شهرية لا تتجاوز 2000 إلى 3000 جنيه (أقل من 50 دولارًا شهريًا)، مقابل أعمال شاقة وخطيرة لا تتناسب مع أعمارهم ولا بنيتهم الجسدية.
وأشار إلى أن القانون المصري يمنع تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن التعليم الإعدادي أو 14 عامًا أيهما أكبر، ويحظر تشغيلهم في مهن محددة قد تعرضهم للمخاطر البدنية أو النفسية، كما ينص القانون على ألا تتجاوز ساعات العمل اليومية للأطفال 6 ساعات، وأن تخصص ساعة على الأقل للراحة وتناول الطعام.

ولفت إلى أن العقوبات المنصوص عليها بالقانون الحالي ما زالت غير رادعة، إذ تنص فقط على غرامة تتراوح بين 1000 و2000 جنيه عن كل طفل يتم تشغيله دون وجه حق، وتتضاعف الغرامة بتعدد الحالات، وتُغلظ العقوبة في حالة "العود" لتصل إلى إغلاق المنشأة لمدة لا تتجاوز 6 أشهر.
كما يشير القانون إلى إلزام صاحب العمل بإبلاغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال العاملين، ونوعية المهام المسندة إليهم، مع تغليظ العقوبة على أولياء الأمور الذين يتغافلون عن استمرار أطفالهم في العمل دون عذر أو انقطاعهم عن الدراسة، بغرامات تبدأ من 500 جنيه وتصل إلى 1000 جنيه.
40.9 مليون طفل في مصر.. والتسرب مستمر
وكشف الدكتور حمدي عرفة أن عدد الأطفال في مصر بلغ نحو 40.9 مليون طفل، بحسب البيانات الرسمية، منهم 21.1 مليون ذكر (51.6%) و19.8 مليون أنثى (48.4%).
كما بلغت نسبة التسرب من التعليم في المرحلة الابتدائية نحو 0.2%، لكنها ترتفع في المرحلة الإعدادية إلى 1.7%، أغلبها بين الفتيات بنسبة 2.1% مقارنة بـ 1.4% للذكور، ما يعزز ارتباط تسرب الفتيات من التعليم بانخراطهن المبكر في سوق العمل غير المنظم.

دعوة إلى تحرك عاجل
واختتم عرفة تصريحاته بدعوة الحكومة المصرية إلى التحرك الجاد على مستوى المحافظات لوضع حد لعمالة الأطفال، وتطبيق القوانين الراهنة بصرامة، ومحاسبة المتقاعسين، وتوفير البدائل الاجتماعية والاقتصادية الكريمة للأسر الفقيرة، قبل أن يتكرر الحادث نفسه في قرية أخرى، وتُزهق أرواح جديدة بلا مساءلة.