العراق يواجه تلاعبًا خطيرًا في عقود الزواج والطلاق، والقضاء يتحرك

شهد العراق في الآونة الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في حالات التلاعب بعقود الزواج والطلاق، ما دفع مجلس القضاء الأعلى إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة عمليات الفساد وغسل الأموال المتغلغلة في هذا المجال، وتترافق هذه الظاهرة مع أرقام مرعبة لحالات الطلاق، ما يهدد استقرار المجتمع العراقي وينذر بتداعيات اجتماعية خطيرة.
القضاء العراقي يتحرك لوقف التلاعب بعقود الزواج
وفي خطوة جديدة للحد من استغلال النظام القضائي، أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق عن إجراءات صارمة تهدف إلى كشف عقود الزواج الوهمية التي تستخدم كغطاء لجرائم غسل الأموال، وأشار المجلس إلى أن بعض الأشخاص يتعمدون تسجيل مهور زواج بمبالغ ضخمة في محاكم الأحوال الشخصية، ثم يعمدون إلى الطلاق بعد فترة قصيرة لاستحصال المهر نقداً، في عملية تندرج ضمن غسل الأموال المنظم.
وأكد المجلس أنه في حال شك القاضي في وجود نية حقيقية للزواج أو في مشروعية مصدر الأموال، يتم إحالة الطرفين مع نسخة من أوليات العقد إلى مكتب مكافحة غسل الأموال لاستكمال التحقيقات.
أرقام صادمة لحالات الطلاق في العراق
كشف مجلس القضاء الأعلى عن تسجيل 6973 حالة طلاق خلال شهر أغسطس الماضي فقط، بمعدل يصل إلى 235 حالة طلاق يوميًا أي ما يعادل 10 حالات كل ساعة، وتصدرت العاصمة بغداد قائمة المحافظات في عدد حالات الطلاق، ما يعكس تفاقم الظاهرة على نحو مقلق.

وخلال عام 2022، تم تسجيل أكثر من 73 ألف حالة طلاق على مستوى البلاد، باستثناء محاكم إقليم كردستان، ما يجعل الرقم الحقيقي أعلى بكثير، وهذا التصاعد المستمر بات يشكل تهديداً جدياً للبنية الاجتماعية في العراق.
أسباب اجتماعية واقتصادية وراء تفشي الطلاق
قالت الباحثة الاجتماعية نوال الإبراهيم في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية إن الطلاق بات نزيفًا مجتمعيًا يهدد استقرار آلاف الأسر سنويًا، وأوضحت أن أبرز الأسباب تتنوع بين:
- الأزمات الاقتصادية التي تجبر الزوجين على العيش في منازل الأهل مما يخلق خلافات متكررة.
- سوء استخدام التكنولوجيا وشبكات التواصل الاجتماعي، بما فيها الخيانات الزوجية والابتزاز الإلكتروني.
- الزواج المبكر للفتيات والفتيان، دون نضج نفسي أو اجتماعي.
- ارتفاع معدلات البطالة والفقر خاصة في المناطق الأقل تعليمًا.
ودعت الإبراهيم إلى سن تشريعات تحد من الزواج المبكر وتحمي الأطفال من الدخول في علاقات زوجية مبكرة لا يدركون تبعاتها.
العنف الأسري وزواج القصر في دائرة الاتهام
ومن جهتها، أكدت الناشطة الحقوقية سارة جاسم أن أحد الأسباب الرئيسية لتصاعد حالات الطلاق هو العنف الأسري، مشيرة إلى المادة 41 من قانون العقوبات العراقي التي تتيح "تأديب الزوجة"، ما يعد بحسبها ترخيصًا غير مباشر للعنف.
وأضافت أن زواج القصر بموافقة أولياء الأمور يمثل خطرًا كبيرًا، لأن الأطفال لا يمتلكون الوعي الكافي لإدارة حياة زوجية، مشددة على ضرورة إلغاء القوانين التي تبرر العنف وتشريع قوانين لحماية المرأة ومناهضة العنف الأسري.
الحاجة إلى إصلاحات قانونية ومجتمعية عاجلة
وفي ظل هذه التحديات، تتزايد المطالبات باتخاذ خطوات جدية من قبل السلطات العراقية، سواء على الصعيد القانوني أو الاجتماعي، للتصدي لظاهرة الطلاق المتفشي، ومنع استغلال مؤسسة الزواج لأغراض مالية أو غير مشروعة.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة أسرية، بل تهديد لاستقرار المجتمع ومستقبل الأجيال القادمة، وهو ما يستدعي تحركًا شاملًا من الدولة والمجتمع للحد من هذه الظاهرة المتفاقمة.