الجمعة 25 أبريل 2025
الايام المصرية
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

الأمم المتحدة: نشهد بدايات نهاية الهيمنة الاقتصادية.. ومصر أمام فرصة ذهبية

الدكتور محمود محيي
الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة

قال الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، والمكلف برئاسة فريق الخبراء لحل أزمة الدين العالمي، إن النظام الاقتصادي والمالي العالمي يمر بتحولات جذرية، واصفًا الوضع الحالي بأنه "بدايات لنهايات الهيمنة" التي سيطرت على العالم لعقود، في إشارة إلى نهاية مرحلة أحادية القطب.

محيي الدين: العالم يتجه نحو نظام اقتصادي متعدد الأقطاب

وأكد محيي الدين خلال حواره مع برنامج "بالورقة والقلم" المذاع على قناة TEN، أن العالم يتجه نحو نظام اقتصادي متعدد الأقطاب، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول استعادة عافيته الاقتصادية بعيدًا عن الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعكس رغبة متزايدة في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية والتكامل الإقليمي.

وأضاف أن ما يشهده العالم اليوم ليس مجرد تغييرات موسمية أو حتى هيكلية، بل هي تحولات نظامية شاملة تعيد تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بالكامل، مشددًا على أهمية الاستفادة من هذه المرحلة عبر تعزيز التعاون الإقليمي، وتوطين التنمية بشكل غير مسبوق.

كما تابع مبعوث الأمم المتحدة، قائلًا: "الأوروبيون أعادوا اكتشاف مزايا الاتحاد الأوروبي، وبدأوا بتفعيل التعاون بين دوله، ما يعكس اهتمامًا غير مسبوق بإعادة بناء الأنظمة الاقتصادية على أسس أكثر عدلًا واستدامة".

وأشار إلى ضرورة إيجاد نقطة موحدة للمستثمرين من أجل توحيد المنظومة الضريبية، بما يقلل الأعباء ويوجه الإنفاق العام نحو ما ينفع الناس فعلًا، مؤكدًا أن الموازنة العامة للدولة لم تعد مجرد وثيقة رسمية، بل أصبحت الأداة الثانية بعد الدستور في رسم معالم التنمية الحقيقية.

محيي الدين: التحديات الاقتصادية العالمية تمثل فرصة لمصر لاتخاذ موقع بارز في النظام العالمي الجديد

وأكد أن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية والإقليمية الراهنة يمكن أن تمثل فرصة لمصر لاتخاذ موقع بارز في النظام العالمي الجديد إذا ما أحسن صانع القرار المصري استغلالها.

وأضاف أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية أجهزت على النظام الاقتصادي العالمي التقليدي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، موضحًا أن هذه الإجراءات لم تقتصر على فرض تعريفات جمركية، بل امتدت لتشمل قيودًا على حركة الاستثمارات والتكنولوجيا والهجرة، معتبرًا أن هذه الخطوات غير المسبوقة شكلت ضربة قاسية لقواعد التعاون الاقتصادي العالمي المتعارف عليها.

وأوضح أن الأزمة الاقتصادية الحالية ليست آنية، بل تمثل تفككًا تدريجيًا للنظام الاقتصادي الدولي القائم، دون وجود بديل جاهز أو إطار سياسي عالمي جديد لاحتواء التغيرات، مشيرًا إلى أن الإجراءات الأمريكية أدت إلى تراجع أسعار الأسهم والسندات والذهب، ما جعلها “مدمرة لما تبقى من النظام الاقتصادي العالمي”. 

ولفت إلى أن تجميد هذه القرارات مؤخرًا من قبل الرئيس الأمريكي جاء كرد فعل على الضغوط الاقتصادية، لكنه حذر من أن العالم يواجه مرحلة انتقالية قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية إذا لم يتم التعامل معها بحكمة.

محيي الدين: ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجديد بدأت تتشكل بقيادة قوى ناشئة

وأشار محيي الدين، إلى أن ملامح النظام الاقتصادي العالمي الجديد بدأت تتشكل بقيادة قوى ناشئة مثل الصين والهند ودول جنوب شرق آسيا، حيث أصبحت الصين أكبر اقتصاد في العالم وفقًا لمعيار تعادل القوى الشرائية، مضيفًا أن التحالفات الاقتصادية تشهد تغييرات جذرية، وسط انقسام واضح في المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وتزايد النفوذ الآسيوي في المشهد الدولي.

وفيما يخص الوضع الاقتصادي المصري، أكد محيي الدين أن مصر ليست بمنأى عن هذه التحولات، مشيرًا إلى أن البلاد تأثرت بتداعيات الأزمات العالمية، بدءًا من الأزمة المالية العالمية عام 2008، مرورًا بالاضطرابات السياسية والأمنية، ثم جائحة كورونا، وصولًا إلى الأزمة الإنسانية الراهنة في قطاع غزة وأمن البحر الأحمر. 

وشدد على أن هذه التحديات يمكن أن تمثل فرصة إذا ما أحسن استغلالها، موضحًا أن هناك فرصًا للنهوض إذا تم التركيز على تحسين مناخ الاستثمار محليًا، وزيادة الإنتاجية، وتخفيف العوائق البيروقراطية، داعيًا إلى تعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والرقمنة والطاقة المتجددة، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر، مشيدًا بالمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية التي تعقد تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، كخطوة إيجابية نحو توطين التنمية ودعم القطاعات الحيوية.

وشدد مبعوث الأمم المتحدة على أهمية تفعيل دور المحافظات في جذب الاستثمارات، وعدم حصر مسؤولية الاستثمار على الوزارات المركزية، مشيدًا في هذا الصدد ببعض الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرًا، مثل إلغاء الرسوم المتعددة وتوحيدها في ضريبة واحدة. 

وأوضح أن المزيد من الشفافية وتسهيل الإجراءات الإدارية لتقليل الاحتكاك المباشر بين المستثمرين والبيروقراطية الحكومية، سيسهم في تحقيق النمو المنشود في بيئة الاستثمار.

وقال إن القطاع الخاص المحلي والدولي يحتاج إلى يقين وسط أجواء عدم الثقة واللايقين على المستوى الدولي، مضيفًا أن مصر وإن كانت لا تملك التحكم في الظروف العالمية، إلا أنها قادرة على توفير بيئة داخلية مستقرة وعادلة لجذب الاستثمار.

كما نوه محيي الدين، إلى أهمية إعادة هيكلة السياسات المالية والضريبية لدعم القطاع الخاص، مؤكدًا أن تحسين اليقين المحلي يمكن أن يعزز من قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، حتى في ظل الأزمات العالمية.

البريكس وتنوع الشراكات الاقتصادية

وحث محيي الدين على تنويع الشراكات الاقتصادية، وتعزيز دور مصر كعضو فاعل في التجمعات الاقتصادية مثل البريكس، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، مع دفع عجلة التعاون مع دول الآسيان وأوروبا، والاستفادة من قواعد المنشأ لجذب الاستثمارات الصناعية، لافتًا إلى أن التوترات الناتجة عن الإجراءات الأمريكية قد تفتح المجال أمام مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين ودول الجوار العربي والأفريقي.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن التنمية الحقيقية تبدأ من الداخل، عبر الاستثمار في رأس المال البشري، وتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، مشددًا على أن مصر لديها المقومات، لكنها تحتاج إلى سياسات مرنة ومؤسسات فاعلة قادرة على تحويل التحديات إلى فرص.

تم نسخ الرابط