لقد وصل التضليل الديني في مصر إلى درجة غير مقبولة، والمؤسف جدا أن يكون ذلك من عالم أزهري متخصص في الفقه الإسلامي، فهل هناك أعجب ولا أغرب من إفتائه بأنه يجوز تعديل أنصبة الميراث التي حددها الله تفصيلا من فوق سبع سموات من خلال وحي السماء الذي لا لبس فيه ولا غموض وبالتالي لا مجال فيه للإفتاء؟؟، والذي قال عنه ربنا في آخر آياته المشرِّعة له: " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ".
ومن آخر (افتكاساته) في تجويز ذلك التدخل في تعديل ما شرعه الله، أن يتم عمل استفتاء للناس على فتواه، فإن وافق الناس على تعديل شرع الله فقد أصبح رأيهم فوق نصوص القرآن القطعية في هذا التشريع.
وما أرى تلك الفتوى الشاذة إلا مجاراة للحملة القوية التي قامت من أجل تمكين المرأة، ولقد تمكنت المرأة فعلا حتى أصبحت تمسك بخناق الرجل، تخلعه إن شاءت، وتدخله السجن متى شاءت، وتجعله منكسرا ضعيفا عاجزا، ومعدما فقيرا من كثرة ما يفرض عليه من نفقات لها، ولأولادها سواء نفقات حضانة، أو إيجار شقة، أو نفقة المتعة، أو قائمة جهاز عفا عليه الزمن، أو مؤخر صداق، إلخ من القضايا التي تدخل شوامخ الرجال إلى غياهب السجون، وهي في كل ما تفعله في كثير من الأحوال تكون مدفوعة بغريزة الانتقام، حيث تريد فقط أن تدخله السجن إذلالا وإهانة له، والأمر بعيد عن التعميم، فإن هناك زوجات كثيرات فضليات ينفصلن عن أزواجهن بهدوء وسلام، وتبقى علاقة المودة والإحسان قائمة من أجل راحة وسعادة الأبناء، امتثالا لأمر الله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"
وقد جاءتنا هذا الفتوى التي لا تعتمد على أية دليل شرعي حتى ولو كان شاذا؛ لتجرد الرجل مما بقي له من حقوق شرعها الله له، ولم يترك فرصة لمخلوق أن يتدخل فيها لا بتشريع، ولا بافتاء، ولا باستفتاء
وقد تناسى فضيلة الدكتور - وهو العليم - أن المرأة في ظل تشريع الله ترث- في كثير من الأحوال- مثل الرجل، بل في بعض أحوال الميراث تزيد عنه، وفي نفس الوقت فإن الرجل مطالب شرعا بالإنفاق على والديه، وأولاده وزوجه، كما أن عليه أن يصل رحمه، بالإضافة إلى مسئوليات اجتماعية أخرى كثيرة لا تساهم فيها المرأة مع إفادتها منها.
وللأسف فإن فضيلة الدكتور يعمل أستاذا بجامعة الأزهر وكتبه في الفقه التي تحتوي على مثل هذه الأفكار الشاذة مقررة على كثير من طلاب الجامعة، ومع أن هذه ليست أول فتوى شاذة له وإنما سبقتها فتاوى كثيرة، ولكن هذه الفتوى الأخيرة تجاوزت كل حدود؛ لأن فيها تعدي حقيقي وواضح على تشريع الله- سبحانه وتعالى-.
وإنني أناشد جامعتنا أن تتخذ الإجراءات التي يلزم اتخاذها مع أصحاب هذه الفتاوى التي تحدث البلبلة والإثارة في المجتمع، سواء كان إجراء علميا من خلال المحاورة معه ومناقشته في فتاويه وأفكاره، أو قانوني شأنه شأن أي عضو هيئة تدريس يتجاوز ما تنص عليه اللوائح والقوانين، حتى لا يظن الناس أن له حماية خاصة تمنع الاقتراب منه، ولا مساءلته- مع أن الأمر ليس كذلك.
أعرف أن هذا موضوعا قد يكون شائكا، والحديث فيه محرجا، ولكن حينما يصل الأمر إلى الدعوة الصريحة على تعدي حدود الله، وتغيير ما شرعه الله من خلال استفتاء الناس الذين فيهم العامي والأمي، والصالح والطالح، وفي مجتمع صارت النساء فيه هن الأغلبية والاستفتاء على أمر هو في صالحها، فإن السيل قد بلغ الزبى، والصبر الطويل قطعت حباله بعدما أصبح الناس يرون الإسلام ينفرط عقده عروة بعد عروة على يد علماء ينتسبون إلى مؤسسة الأزهر الشريف.
كما أن من دوافعي إلى الحديث في هذا الأمر هو غيرتي الشديدة على جامعتي ومؤسسة الأزهر الشريف؛ لتبقى متسمة بمنهجها الوسطي الذي تأسست عليه بعيدا عن التوجه يمينا أو يسارا، حتى تستمر لها هيبتها في النفوس، ومكانتها في القلوب، ولعلمائها الإجلال والإكبار.
والله من وراء القصد