قصة شم النسيم الحقيقية.. احتفل بها القدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف عام

شم النسيم هو يوم احتفال يتشارك فيه جميع المصريين، مسلمين ومسيحيين، مما يجعله حدثًا وطنيًا مميزًا يجمع بين أجواء عيد الربيع وعيد القيامة المجيد، ويثير هذا التداخل العديد من التساؤلات حول أصوله وحكم الاحتفال به، مما يدفعنا لاستكشاف قصة شم النسيم، التي تحمل في طياتها إرثًا ثقافيًا وحضاريًا متجذرًا في التاريخ المصري.
أصل كلمة شم النسيم
يعود تاريخ الاحتفال بشم النسيم إلى أكثر من خمسة آلاف عام، تحديدًا إلى أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، وكان الاحتفال معروفًا لدى قدماء المصريين، خاصة في مدينة هليوبوليس (عين شمس حاليًا)، واشتُق اسمه من الكلمة الفرعونية "شمو"، التي تعني بعث الحياة، حيث اعتُبر هذا اليوم بداية خلق العالم.

ومع مرور الزمن، أُضيفت كلمة "النسيم" إليه، في إشارة إلى الجو المعتدل الذي يميز فصل الربيع، حيث كان قدماء المصريين يحتفلون بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وكان الاحتفال يبدأ بمراسم خاصة، حيث يجتمع الناس أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر عند الغروب لمشاهدة ظاهرة فلكية نادرة: تبدو الشمس وكأنها تجلس فوق قمة الهرم، وحينها تخترق أشعتها القمة، فتبدو واجهة الهرم وكأنها انشطرت إلى نصفين.
شم النسيم عبر العصور
في العهد اليهودي
اقتبس اليهود احتفال شم النسيم من المصريين بعد خروجهم من مصر، وحوّلوه إلى عيد الفصح، الذي يُعرف بـ "العبور"، احتفاءً بنجاتهم وهروبهم من عبودية المصريين.
في العهد المسيحي
عندما دخلت المسيحية مصر، تزامن عيد القيامة مع احتفال المصريين بشم النسيم، وكان الاحتفال به في فترة الصوم الكبير، الذي يمنع فيه أكل السمك، لذا نُقل الاحتفال إلى اليوم التالي لعيد القيامة للسماح بأكل الأسماك المملحة مثل الفسيخ.
في العهد الإسلامي
استمر الاحتفال بشم النسيم بعد دخول الإسلام مصر، حيث توارث المصريون هذا العيد عبر الأجيال، معتبرينه مناسبة اجتماعية لا تخالف الشريعة، بل تؤكد على روح التعايش الوطني.

مظاهر الاحتفال بشم النسيم
يرتبط شم النسيم بعادات وطقوس مميزة تعكس تاريخًا طويلًا من الاحتفال، أبرزها:
- زيارة المتنزهات والحدائق: يخرج المصريون إلى المساحات الخضراء للاحتفال بالربيع.
- الأطعمة الخاصة: يُعتبر الفسيخ والرنجة والبيض الملون من رموز الاحتفال، والبيض، على وجه الخصوص، يرمز إلى الحياة والخلق والبعث، حيث ينقش المصريون عليه أمانيهم ودعواتهم.
- الرموز الزراعية: تشمل الأطعمة التقليدية الخس والحمص الأخضر والبصل، التي كانت تُعتبر رموزًا للخصوبة والشفاء في المعتقدات الفرعونية.
- التلوين والتزيين: يستخدم المصريون ألوانًا زاهية لتزيين البيض وسلال النخيل، تعبيرًا عن البهجة والتفاؤل.
حكم الاحتفال بشم النسيم
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بشم النسيم ليس محظورًا، بل يُعزز روح الوحدة الوطنية، حيث يجمع بين أبناء الوطن الواحد في أجواء من التعايش والفرح، وأكدت الإفتاء أن هذا الاحتفال هو نموذج يعبر عن قيم الحضارة الإسلامية السمحة، التي تتيح المشاركة في المناسبات الاجتماعية بما لا يتعارض مع الشريعة.

شم النسيم كعيد قومي
شم النسيم هو عيد قومي مصري يربط الحاضر بالماضي، من الفراعنة إلى العصر الحديث، ظل هذا العيد شاهدًا على ترابط المصريين وتوارثهم لعاداتهم وتقاليدهم، ويُحتفل به كل عام في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد، ويُعتبر عطلة رسمية في البلاد.
ويعكس شم النسيم تلاحم الثقافات والأديان في مصر، وهو مناسبة لإحياء القيم المشتركة والفرح الجماعي الذي يتجاوز الاختلافات.