في سجل الأمة لحظات لا يمحوها الزمن، وعبور لا تُقاس عظمته بحدود المكان أو السنوات، هناك حيث سُطرت الإرادة على صخور الكبرياء، انتصرت الكرامة، وتجلى المجد في أبهى صوره، لم يكن ذلك النصر مجرد عبورٍ من ضفة إلى ضفة، بل كان عبورًا من الانكسار إلى القوة، من الألم إلى الأمل، من الصمت إلى صوتٍ هادرٍ بالحرية.
لقد علمنا التاريخ أن الكرامة لا توهب، بل تنتزع بإيمانٍ لا يلين، وأن إرادة الشعوب حين تستيقظ، تعيد رسم الخرائط، وتُعيد صياغة المصير، وعلى ذات الطريق، تظل يد السلام ممدودة، لا ضعفًا بل قوة، لا خضوعًا بل حكمةً تعرف متى تضع السلاح، ومتى ترفعه دفاعًا عن الحق.
وفي كل مرة يعلو فيها صوت إنساني يطالب بوقفٍ للنار، تولد لحظة عبورٍ جديدة، من رماد الدمار نحو فسحات الحياة، فكما كان النصر في زمن الحرب عنوانًا للعزة، فإن كل خطوة نحو سلامٍ عادل هي نصرٌ لا يقلّ قيمة، بل يسمو بمعناه، السلام ليس نهاية الصراع فحسب، بل بداية الوعي، وتجلٍّ لحضارة تعرف أن بناء الإنسان أسمى من كسر العدو.
إن المعارك لا تخاض بالسلاح وحده، بل بالعقل والحكمة، بالإصرار على حق الشعوب في الحياة، وبالقدرة على تخليد المواقف التي ترسم فجرًا جديدًا وسط العتمة، وهنا تقف مصر، كما عهدها التاريخ، سيفًا إن احتدم القتال، وميزانًا إن آن أوان السلام، دورها لم يكن يومًا صوتًا عابرًا، بل نبضًا أصيلاً في قلب الأمة، يعرف أن البطولة ليست فقط في من عبروا بالسلاح، بل أيضًا في من يعبرون بالحكمة ويُضيئون دروب الأمل في زمنٍ كثرت فيه العتمات.
لسنا من أمةٍ تنكسر، بل من أمةٍ تجيد النهوض، نكرم ماضينا بانتصاراته، ونواجه حاضرنا بحكمةٍ لا تغريها الحرب، بل تحميها من لعنتها، وبين زمنٍ سطر فيه النصر، وزمنٍ يرجى فيه السلام، يبقى الخيط الواصل واحدًا: الإيمان العميق بأن الحق لا يموت، وأن الشعوب التي تعرف طريق الكرامة، لا تضلّ السبيل.
ستظل الأوطان العظيمة تنجب من يعرفون كيف يحاربون بشرف، وكيف يصالحون بكرامة، هؤلاء هم الذين يصنعون التاريخ.. ويمدون في عمر الأمل.. ومن بين كل الأوطان العظيمة ستبقى مصر أعظم وطن ورجالها أشرف الرجال وسيظل أكتوبر شهر الأمجاد.