بعد أن أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن وبعد أن قدموا كل ما يملكون من جهد وعرق وصبر يكتشف كبار السن أنهم في آخر الطريق مجرد أرقام في دفاتر التأمين الصحي.. لا يجدون من الرعاية إلا أوراقاً وإجراءات ولا يحصلون من العلاج إلا على "مسكن" لا يُسكن وجعهم ولا يرفع عنهم معاناتهم
الإنسان في سنواته الأخيرة لا يحتاج الكثير، فقط يد حانية وحق مضمون في علاج كريم ورعاية تُشعره أن ما بذله من أجل مجتمعه لم يذهب هباءً. لكن الواقع يقول غير ذلك: زحام، إهمال، معاملة جافة، ونقص أدوية يحوِّل حياتهم إلى رحلة عذاب تبدأ مع طلوع النهار ولا تنتهي إلا بوجعٍ جديد.
وأمام الصيدليات يتكرر مشهد يوجع الضمير الوطني؛ طوابير من الشيوخ تتكئ على العصي بحثاً عن جرعة أنسولين تحفظ لهم الحق في البقاء، لكن كثيرين يعودون خالي الوفاض، وكأن الدواء تحوّل إلى معركة سياسية بين عجز الموارد وبيروقراطية الأوراق، بينما الثمن تدفعه قلوب أنهكها العمر
الغريب أن هذه المرحلة من العمر كان يجب أن تكون الأكثر راحة.. آخر أيام العمر التي من المفترض أن يُرد فيها الجميل لأصحابه، فإذا بها تتحول إلى "معركة بقاء" يخوضها العجائز وحدهم بين صيدلية لا تصرف دواء ومستشفى لا تستقبل مريضاً وإجراءات بيروقراطية تسحق أي معنى للإنسانية
هل يُعقل أن يظل من خدم المجتمع نصف قرن أسيراً لـ"طابع تأمين" أو "موعد لجنة ثلاثية" أو "دواء ناقص"؟!
هل يُعقل أن تكون نهاية العمر انتظاراً على كرسي في طابور طويل بينما المسؤول يبرر بعجز الميزانية أو قلة الموارد؟
الشيخوخة مرحلة يُفترض أن تكون مُكلَّلة بالكرامة ومصونة بالاحترام فهؤلاء الذين أفنوا أعمارهم يستحقون نظام تأمين صحي يُعاملهم كأب وأم لا كأرقام في طوابير الانتظار
المجتمع الذي لا يكرم كبار السن.. مجتمع فقد بوصلته الأخلاقية قبل أن يفقد قدرته على التطور.