أصبحت المعرفة والابتكار في قلب التنافس العالمي بين الدول والأفراد، نتيجة التحولات المتسارعة على المستويات العلمية والتقنية والاجتماعية والاقتصادية، حيث أصبح رأس المال البشري القادر على الإبداع والابتكار هو الثروة الحقيقية للدول، وفي ظل هذه البيئة المتغيرة، بات من المطلوب من الإنسان أن يمتلك قدرات عقلية ومعرفية متجددة تتيح له التكيف المستمر، والتعلم مدى الحياة، وصنع أثر حقيقي في محيطه ومجتمعه.
وتدور ماهية اللياقة المعرفية والفكرية حول كونها إطارًا جديدًا لصقل شخصية إنسان المستقبل؛ فهو يكتسب المعلومات أو المهارات التقنية ويسعي لتنمية القدرات الذهنية العليا، مثل التفكير النقدي والإبداعي، والمرونة، والقدرة على التعلم الذاتي، والعمل في بيئات متنوعة ثقافيًا وتكنولوجيًا، وبذلك تسهم في بناء رأس المال البشري القادر على الإسهام في التنمية المستدامة والتحول الرقمي والمجتمعي، وتعزز من قدرة الفرد على التعامل مع التحديات المركبة للقرن الحادي والعشرين.
تعد اللياقة المعرفية والفكرية قدرة متقدمة للإنسان على إدارة معارفه ومهاراته الذهنية بأسلوب ديناميكي يتيح له التكيف مع المستجدات وتحويل التحديات إلى فرص للنمو والابتكار، وهي أشبه بلياقة البدن من حيث حاجتها إلى تدريب مستمر للحفاظ على الأداء والمرونة، غير أنها تتعلق بالعقل والفكر، إذ تمكنه من صقل قدراته الذهنية العليا كالتفكير النقدي، والابتكار، والتعلم الذاتي، واتخاذ القرارات الرشيدة في البيئات المتغيرة.
وتستند اللياقة المعرفية والفكرية إلى ثلاثة أبعاد رئيسية متكاملة تشكل معًا إطارًا بنائيًا لشخصية الإنسان القادر على التعلم والإبداع والمواطنة الفاعلة وهي البعد المعرفي ويمثل القدرة على اكتساب معارف جديدة بسرعة، وتحديث المعلومات بشكل مستمر، وإعادة تنظيمها وفق متطلبات الواقع والتغيرات المحيطة، بما يعزز المرونة الذهنية والاستجابة السريعة للمستجدات، والبعد الفكري ويتمثل في تنمية قدرات التحليل النقدي، والتفكير المنهجي، والقدرة على ربط الظواهر والأفكار ببعضها لتوليد رؤى وحلول مبتكرة تتجاوز المعالجات السطحية للمشكلات، ويمثل البعد الوجداني القيمي وعيًا أخلاقيًا وإنسانيًا يوجه استخدام المعرفة في خدمة المجتمع فامتلاك قدرات معرفية عالية دون بوصلة قيمية قد يؤدي إلى استغلال سلبي للعلم والتقنية، كما يحدث أحيانًا في تزييف المعلومات أو انتهاك الخصوصيات أو تطوير تقنيات مدمرة، ومن ثم يصبح من الضروري أن ترافق اللياقة المعرفية والفكرية مسؤولية إنسانية، تجعل الفرد يدرك أثر قراراته وممارساته على الآخرين والبيئة والمستقبل، ومن خلال تكامل هذا البعد مع البعدين المعرفي والفكري تتكون منظومة متكاملة من اللياقة المعرفية والفكرية، تمكن الفرد من التعلم مدى الحياة، وتحول المعرفة إلى ممارسة وإبداع، وبناء رأس مال بشري يجمع بين المهارات التقنية والفكرية والقيم الإنسانية والمواطنة الفاعلة، فيصبح قادرًا على الإسهام الإيجابي في مجتمع المعرفة وصياغة مستقبل أكثر استدامة وعدالة.
ويتطلب تطوير اللياقة المعرفية والفكرية تضافر عوامل متعددة تحولها إلى ثقافة عامة لدى الأفراد والمؤسسات؛ وفي مقدمة هذه العوامل يأتي التعليم النوعي الذي يركز على تنمية مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والتعلم الذاتي، يليه التدريب المستمر والانخراط في برامج مهنية وعلمية تنمي المهارات الرقمية واللغوية والبحثية بما يتناسب مع التحولات السريعة في سوق العمل، كما يتطلب الأمر وجود ثقافة وبيئة محفزة يشجع فيها المجتمع على الحوار والاختلاف البناء، ويحتفي بالابتكار، ويقدر التعلم مدى الحياة والقيادة الذاتية، بحيث يصبح لدى الفرد استعداد للاستثمار في ذاته، ووضع خطط شخصية للتطوير، والبحث المستمر عن مصادر جديدة للمعرفة، وهو ما يضمن نشوء أجيال تمتلك القدرة على التكيف والإبداع والمشاركة الفاعلة في صناعة المستقبل.
ويتجلى دور اللياقة المعرفية والفكرية في تمكين الفرد من التكيف مع وظائف متغيرة ومتطلبات مهنية متجددة، من خلال قدرته على اكتساب مهارات جديدة عند الحاجة، والانتقال بسلاسة بين أدوار مهنية مختلفة، وتحويل الأفكار إلى مشاريع واقعية، وابتكار حلول للتحديات المعاصرة في بيئات عمل مفتوحة وعابرة للحدود، كما تظهر أهميتها في تعزيز العمل التعاوني متعدد الثقافات، وبناء مهارات التواصل الفعال مع فرق متنوعة عالميًا، وإدارة التنوع الثقافي والفكري بمرونة وحكمة، وبذلك تتحول اللياقة المعرفية والفكرية إلى ميزة تنافسية استراتيجية تضمن للأفراد والدول مكانة متقدمة في الاقتصاد المعرفي العالمي، وترسخ قدرتهم على الابتكار والريادة.
وتتمثل استراتيجيات تعزيز اللياقة المعرفية والفكرية لدى الأفراد والمجتمعات في تبني ثقافة التعلم مدى الحياة عبر المنصات التعليمية المفتوحة وبرامج التدريب المهني المستمر، وتنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي منذ المراحل الدراسية المبكرة، وتشجيع البحث والاستكشاف والمطالعة كعادات يومية راسخة، إلى جانب دعم أساليب التعلم الذاتي والمشروعات البحثية الصغيرة التي تنمي روح المبادرة، كما يشمل ذلك إنشاء بيئات عمل محفزة تتبنى مبدأ التعلم التنظيمي وتتيح للموظفين تطوير قدراتهم داخل المؤسسات، وتضمين القيم الإنسانية في جميع برامج التعليم والتدريب بما يجعل العلم أداة للبناء، ومن خلال هذا التكامل تتحول اللياقة المعرفية والفكرية إلى رأسمال وطني استراتيجي يرفع القدرة التنافسية للمجتمع بأسره، ويعزز موقعه في الاقتصاد المعرفي العالمي.
ونؤكد أن بناء اللياقة المعرفية والفكرية مسؤولية مشتركة تتكامل فيها أدوار المؤسسات التعليمية والتدريبية والدولة والمجتمع والفرد، حيث تعد استثمارًا استراتيجيًا في رأس المال البشري الذي يمثل المورد الأهم في عصر المعرفة، ومن خلال تعزيز هذه اللياقة يمكن للأفراد والأمم أن يضمنوا لأنفسهم موقعًا متقدمًا في المستقبل، حيث يتحول الإنسان إلى صانع للتغيير وفاعل في صياغة حضارة إنسانية أكثر عدلًا وابتكارًا واستدامة، ويصبح توظيف المعرفة والمهارات أداةً لتطوير المجتمعات وتحقيق نهضتها الشاملة.
- تابع موقع الأيام المصرية عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
- تابع موقع الأيام المصرية عبر تطبيق (فيسبوك) اضغط هــــــــــنا
- تابع موقع الأيام المصرية عبر تطبيق (تويتر) اضغط هــــــــنا
موقع الأيام المصرية، يهتم موقعنا بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، ونقدم لكم خدمة ومتابعة شاملة ومجموعة كبيرة من الأخبار داخل الأقسام التالية، أخبار، رياضة، فن، خارجي، اقتصاد، الأيام TV، حوادث، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، أخبار مصر، سعر اليورو، سعر العملات ، جميع الدوريات.