الأربعاء 03 سبتمبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

نورهان محمد يوسف تكتب.. "التحديات الاقتصادية لمصر في العام 2023-2025"

نورهان محمد يوسف
نورهان محمد يوسف باحث ماجيستير اقتصادي

نورهان محمد يوسف باحث ماجيستير اقتصادي- التحديات الاقتصادية لمصر في العام 2023-2025

على الرغم من أن الاقتصاد المصري قد شهد عدة تحسنات خلال العام الماضي، لا سيما انخفاض معدل التضخم وتدفق التمويل الخارجي، فإنه لا يزال يواجه مشكلات حقيقية. إذ تواصل المدفوعات المرتفعة للديون، والانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس، وتراجع إنتاج الغاز، والاستيراد الكبير للقمح لإطعام عدد سكاني متزايد الا إنه توجد بعض مؤشرات تحسن للاقتصاد حيث:

 انخفض معدل التضخم في مصر بحسب التقارير إلى 14.9 بالمئة في يونيو 2025 بعد أن بلغ ذروته عند 38 بالمئة في سبتمبر 2023. بالنسبة للمصريين الذين يواجهون أزمة معيشية خانقة، فإنها أخبار جيدة أن أسعار السلع الاستهلاكية الحضرية سجلت انخفاضًا قدره 0.1 بالمئة في يونيو 2025 مقارنة بارتفاع 1.9 بالمئة في مايو 2025. إضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 4.2 بالمئة للسنة المالية 2025، كما استقر الجنيه المصري بعد أن فقد أكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار خلال السنوات القليلة الماضية.

كما استفادت مصر أيضًا من قرض قيمته 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في مارس 2024، إلى جانب استثمارات كبيرة من بعض الدول العربية الخليجية. فقد تعهدت الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، باستثمار 35 مليار دولار، معظمها لمشروع سياحي ضخم في رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط المصري. كما شهد قطاع السياحة وتحويلات العاملين بالخارج ارتفاعًا خلال العام الماضي. كل هذا، بالإضافة إلى سياسة مالية أكثر تشددًا، ساهم في تحسين طفيف لوضع السيولة في البنوك التجارية المصرية، مما سمح بمزيد من القروض للقطاع الخاص، خاصة في قطاعات الصناعة والخدمات.

 الا أن مصر تحديات اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية معقدة، لكن الحفاظ على صحة الاقتصاد يُعدّ ركيزة أساسية للاستقرار الوطني. تدرك الحكومة أن جذب الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية، هو ضرورة للبقاء الاقتصادي، وأن زمن الاعتماد على المساعدات الخارجية قد ولى مع تحوّل الدعم الخليجي إلى استثمارات قائمة على العائد. ورغم القيود التي فرضها صندوق النقد، فإن هناك مؤشرات على تغيير في النهج الرسمي باتجاه تمكين القطاع الخاص وتعزيز الإصلاحات. وفي حين لا تستطيع مصر التحكم في الاضطرابات الإقليمية، إلا أن بإمكانها تقليص هشاشتها عبر إصلاحات اقتصادية متعمقة. فالنمو الاقتصادي يظل شرطًا جوهريًا لاستقرارها السياسي والاجتماعي.

أولا: الصراع من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)

منذ أوائل الثمانينيات، جعلت الحكومات المصرية المتعاقبة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أولوية قصوى، لكن بدرجات متفاوتة من النجاح. غير أن هذه الضرورة كانت دائمًا محاطة بهامش من الحماية الخاصة التي حظيت بها مصر. فموقعها الجيوستراتيجي الفريد وثقلها الإقليمي جعلا من استقرارها وأمنها ضرورة إقليمية، وهو ما ضمن توفّر شبكات أمان مالي حالت دون الانهيار الاقتصادي. وقد كانت هذه الشبكات مدعومة في الأساس من دول الخليج التي رأت في استقرار مصر ركيزة لاستقرارها هي الأخرى.

فبعد إزاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013 إثر احتجاجات واسعة، تعهّدت دول الخليج بتقديم 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد. لكن مجموعة من المتغيرات أدت إلى إعادة تقييم من جانب تلك الدول: ضغوط أوضاعها المالية الداخلية، إحباط من ضعف التقدّم رغم عقود الدعم، واختلاف وجهات النظر الإقليمية. النتيجة كانت إعادة تشكيل العلاقة الاقتصادية مع مصر على أساس الاستثمار لا المساعدات. بذلك، وجدت مصر نفسها في موضع شبيه بباقي الأسواق الناشئة التي تتنافس على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن بشروط أكثر تعقيدًا، منها ارتفاع أسعار الفائدة وفق متطلبات صندوق النقد الدولي، بهدف مكافحة التضخم وجذب رؤوس الأموال قصيرة الأجل، وهي من أبرز نقاط ضعف الاقتصاد المصري. وقد ازدادت التحديات الخارجية، كما أبرز تراجع إيرادات قناة السويس، في وقت تكثّف فيه الأسواق الناشئة جهودها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وفي حين أرجع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في يوليو 2025 التباطؤ في بعض الصفقات إلى صعوبة تقييم القيمة السوقية العادلة، فإن وتيرة التقدم لم تكن كافية لتحقيق هدف تقليص عبء الكيانات الخاسرة وسداد الدين العام. أشار صندوق النقد الدولي إلى أن ضعف العائدات من الخصخصة ساهم في فجوة بالميزانية، ومنح الصندوق إعفاءً مشروطًا بأن توجه جميع حصيلة الخصخصة إلى خفض الدين العام.

كما انتقد الصندوق لجوء البنك المركزي ووزارة المالية لتقديم قروض وضمانات للهيئات المملوكة للدولة، مثل الهيئة العامة للبترول وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. وتُقدَّر ضمانات الحكومة لهيئة البترول وحدها بما يقارب 18% من الناتج

المحلي الإجمالي، في وقت تعاني فيه الشركة القابضة للكهرباء من صعوبة سداد التزاماتها.

ثانيًا: التحديات الاقتصادية 

تواجه مصر ثلاثة تحديات اقتصادية رئيسية على الأقل. أولها التراجع الكبير في إيرادات قناة السويس منذ أن شنت إسرائيل حربها الحالية على غزة في أكتوبر 2023. تاريخيًا، شكّلت عائدات رسوم الشحن نحو 15 بالمئة من إيرادات مصر من النقد الأجنبي، حيث بلغت ذروتها 9.4 مليار دولار في عام 2023. لكن بعد أن بدأ الحوثيون في اليمن بمهاجمة السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل المزعومة في البحر الأحمر تضامنًا مع غزة، بدأت السفن التجارية في تجنب طريق البحر الأحمر – قناة السويس الذي أصبح خطرًا، مما أدى إلى انخفاض إيرادات القناة بنسبة 60 بالمئة، بحسب السيسي. وتستمر هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في تحويل مسار الشحن الدولي بعيدًا عن هذا الطريق إلى طريق أطول وأكثر تكلفة، لكنه أكثر أمانًا حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا. وحتى يتوقف الحوثيون عن حملتهم، ستواصل العديد من شركات الشحن الدولية تجنب ممر السويس، مما يحرم مصر من مصدر رئيسي للعملة الصعبة. وقد سعت مصر لتنويع دخلها من القناة من خلال توسيع نشاطها في أعمال صيانة السفن التجارية عبر هيئة قناة السويس، لكن مثل هذه التدابير من غير المرجح أن تعوض الانخفاض في رسوم العبور.

انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 60% بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.

التحدي الاقتصادي الثاني الذي تواجهه مصر هو أزمة إمدادات الغاز الطبيعي، الناتجة عن مزيج من ارتفاع الطلب المحلي، وانخفاض الإنتاج المحلي، ونقص الواردات. فبعد أن كانت مصر تأمل في إنتاج كميات كافية لتلبية سوقها المحلية الضخمة وزيادة صادرات الغاز الطبيعي، شهد الحقل الضخم "ظهر" الواقع قبالة ساحلها المتوسطي، والذي بدأ الإنتاج في 2017، تراجعًا في الإنتاج ومشكلات تقنية منذ 2022. وزاد من تعقيد هذه المشكلة أن الصراع الإقليمي الأخير قطع اعتماد مصر على واردات الغاز من حقل "ليفياثان" الإسرائيلي، الذي كان يغطي جزءًا من الاستهلاك المحلي المصري. ففي 13 يونيو 2025، وخلال الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، أغلقت إسرائيل حقل ليفياثان (وحقل غاز ثانٍ) وأوقفت صادرات الغاز بشكل كامل، بما في ذلك لمصر. ورغم أن إسرائيل استأنفت لاحقًا إنتاج الغاز جزئيًا وصادراته، فإن الإغلاق المفاجئ لواردات الغاز الإسرائيلية كان له أثر كبير على مصر، حيث اضطرت إلى فرض تقنين الكهرباء. كما لجأت مصر إلى استخدام الديزل بدلاً من الغاز لتوليد الكهرباء ومحاولة تأمين شحنات من الغاز الطبيعي المسال (LNG). لكن كما قال الخبير المصري في مجال الطاقة، علي متولي: "هذا الحل مكلف، وتحتاج مصر إلى الاستثمار أكثر في إنتاج الغاز المحلي" لتجنب المزيد من انقطاعات الكهرباء على الشركات والمنازل.

 

 

أما التحدي الثالث الكبير فهو استمرار اعتماد مصر على استيراد القمح بتكلفة مرتفعة للغاية لإطعام سكانها الذين يقترب عددهم من 110 ملايين نسمة. وتظل مصر واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم. ويتوقع محللو الحبوب الدوليون أن تستورد البلاد 13 مليون طن في السنة المالية 2025/26 (التي بدأت في 1 يوليو 2025)، وهي نفس الكمية في السنة المالية 2024/25. وتواصل مصر محاولة تعزيز إنتاجها المحلي من القمح على مساحتها المحدودة الصالحة للزراعة. لكن يتوقع محللو الحبوب أن يرتفع إنتاجها المحلي بنسبة 1 بالمئة فقط هذا العام المالي، ليصل إلى 9.3 ملايين طن، وهو ما لا يكفي لإحداث أي فارق ملحوظ في احتياجات الاستيراد. ويعد استمرار اعتماد مصر على واردات القمح استنزافًا كبيرًا لاحتياطياتها من النقد الأجنبي. ويعتمد أكثر من 70 بالمئة من سكان مصر على الخبز المدعوم كجزء من غذائهم اليومي، وهو ما يضع ضغوطًا شديدة على ميزانية الدولة. وتحت ضغط صندوق النقد الدولي، خفّض السيسي في السنوات الأخيرة دعم الخبز، لكنه لم يقم بإلغائه بالكامل، لتجنب إثارة اضطرابات داخلية.

ثالثًا: تضييق هامش المناورة

تدرك الحكومة المصرية حدة الموقف، وأقرت خطة شاملة لإعادة هيكلة الهيئة العامة للبترول، تتضمن جدولًا محددًا لزيادة أسعار الطاقة من أجل معالجة أوضاعها المالية. كذلك، تزايدت الإشارات الرسمية إلى الاعتراف بالدور الحيوي للقطاع الخاص، حيث أظهرت بيانات وزارة المالية أن الاستثمارات العامة سيتم تقييدها عند 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق الانضباط المالي. كما ارتفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 38% خلال الفترة من يوليو إلى مارس من العام المالي الماضي، بدعم من إجراءات لتعزيز الالتزام دون فرض ضرائب جديدة.

وقد ارتفع نصيب القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات إلى 59%، بزيادة 80% مقارنة بالعام السابق، مدفوعًا بإصلاحات ضريبية وجمركية تستجيب لمطالب المستثمرين.

رغم أن مصر قد حسنت وضعها المالي هذا العام إلى حد ما، إلا أن ديونها الخارجية بلغت نحو 153 مليار دولار في منتصف 2024، أي ما يعادل 40 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي. ولا تزال خدمة الدين تستنزف جزءًا أكبر من الميزانية كل عام: ففي السنة المالية 2025/26، من المتوقع أن تنفق الحكومة المصرية 65 بالمئة من نفقاتها السنوية على مدفوعات الديون. ولتمويل أولوياته المكلفة—خاصة مشتريات الأسلحة والمشروعات الضخمة—مع فشله في تحقيق نمو اقتصادي كافٍ، لجأ السيسي إلى الاقتراض وتقليص الإنفاق على البرامج الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تقدر تكلفة العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، وهو مشروع ضخم يرى كثير من المصريين أنه إهدار لموارد عامة نادرة، بنحو 58 مليار دولار، 

وختامًا يُظهر المشهد الاقتصادي في مصر خلال عامي 2024–2025 مزيجًا متناقضًا من التحسنات الجزئية والتحديات الهيكلية العميقة. فمن جهة، أسهم تراجع التضخم، واستقرار سعر الصرف نسبيًا، وزيادة التدفقات المالية من صندوق النقد الدولي وبعض دول الخليج في تهدئة جزء من الأزمة قصيرة الأجل. كما أن تحسن السياحة وتحويلات العاملين بالخارج وفّر متنفسًا إضافيًا للنظام المالي. إلا أن هذه التطورات الإيجابية لا تخفي هشاشة الأساس الاقتصادي، حيث تواصل مصر مواجهة ضغوط كبيرة نتيجة انخفاض إيرادات قناة السويس، وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي، والاعتماد المزمن على واردات القمح، فضلًا عن عبء الدين الخارجي الضخم الذي يستهلك النسبة الأكبر من الموازنة العامة.

إن استمرار اعتماد الدولة على المشروعات الضخمة ذات العائد غير المباشر، والتأجيل المستمر لخطط الخصخصة، خاصة في ما يتعلق بالمؤسسات المملوكة للجيش، يعكس تداخلاً بين الحسابات الاقتصادية والاعتبارات السياسية. هذا التداخل يضعف مناخ الاستثمار الخاص، ويحد من قدرة الاقتصاد على النمو المستدام وتوليد فرص العمل. وعليه، فإن الخروج من دائرة الأزمات يتطلب معالجة هيكلية عميقة تتجاوز الحلول المؤقتة، من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر النقد الأجنبي، وإعادة توجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر قدرة على خلق قيمة مضافة.

وبالتالي، فإن الاقتصاد المصري يقف اليوم عند مفترق طرق: فإما البناء على التحسنات الظرفية وتحويلها إلى إصلاحات هيكلية جادة، وإما الاكتفاء بإجراءات مسكّنة تعمّق التحديات في المدى المتوسط والطويل.

تم نسخ الرابط