من الجعبري لـ أبو عبيدة، سر اغتيال إسرائيل قيادات المقاومة بكل سهولة

ترددت خلال الساعات الماضية أنباء غير مؤكدة حول اغتيال أبو عبيدة، المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، في غارة جوية إسرائيلية، وبينما لم تؤكد حركة حماس رسميًا مقتله حتى الآن، اكتفت المصادر العبرية بالإشارة إلى "عملية دقيقة" استهدفت عددًا من قيادات المقاومة.
لكن خلف هذا الجدل، يبرز سؤال استراتيجي: كيف تتمكن إسرائيل من تحديد مواقع شخصيات شديدة السرية والاختفاء، مثل أبو عبيدة، وتغتالها بهذه الدقة؟
من هو أبو عبيدة؟ ولماذا استهدافه معقد؟
رغم أن أبو عبيدة حافظ على سرية هويته لأكثر من عقدين من الزمن، إلا أن أجهزة الاستخبارات الغربية ـ وخصوصًا الأمريكية ـ لم تكن بعيدة عن تتبعه، فقد كشفت وزارة الخزانة الأمريكية في أبريل 2024 عن اسمه الحقيقي وهو: حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، المولود في غزة عام 1985، وأدرجته ضمن قوائم العقوبات.
هذا الإدراج لم يكن مجرد إجراء رمزي، بل فتح المجال لرسم "خريطة حياة" كاملة له، تشمل تحركاته، علاقاته، ومواقع نشاطه، ما جعل الوصول إليه أقرب إلى عملية تتبع مستمرة.
كيف تنجح إسرائيل في اغتيال قادة المقاومة؟
وفق معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، فإن الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال تعمل بتنسيق محكم مع وحدة 8200 السيبرانية، لالتقاط أي إشارات رقمية أو أخطاء بشرية قد تكشف موقع الهدف.

الأسلوب المتبع هو الدمج بين:
- المصادر البشرية (مخبرون ومتعاونون داخل غزة).
- المراقبة الإلكترونية (تعقب الاتصالات والمواقع).
- تحليل البيانات المفتوحة (مواقع التواصل ومؤشرات عامة).
هذا التكامل بين "العيون البشرية" و"العقول الاصطناعية" يسمح لإسرائيل بتقليص دائرة البحث إلى مربع محدد، ومن ثم توجيه الضربة.
نماذج من اغتيالات دقيقة لقادة المقاومة
لم تكن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل هذه الأدوات، بل هناك سلسلة طويلة من الاغتيالات المماثلة، منها:
- أحمد الجعبري (2012): نائب قائد كتائب القسام، استهدفته إسرائيل بصاروخ موجه في سيارته، بعد تعقب هاتفه واتصالاته.
- بهاء أبو العطا (2019): قائد سرايا القدس في غزة، استهدف داخل منزله في حي الشجاعية، بعد مراقبة تحركاته عن قرب.
- عماد مغنية (2008): القيادي البارز في حزب الله، اغتيل في دمشق بالتنسيق بين الموساد وCIA، وفق تسريبات موثقة.
كلها عمليات استندت إلى تتبع دقيق، واعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي والتجسس السيبراني.
الذكاء الاصطناعي .. السلاح الأخطر في معركة الاغتيالات
بحسب تقارير أمريكية، أبرزها في "بزنس إنسايدر" و"الجارديان"، تعتمد إسرائيل اليوم على منظومات ذكاء اصطناعي مثل:
- نظام "لافندر" (Lavender): صمم لتصنيف عشرات الآلاف من سكان غزة كأهداف محتملة، اعتمادًا على ملايين البيانات الشخصية.
- نظام "ذا جوسبل" (The Gospel): يزود الطيران الإسرائيلي يوميًا بقوائم أهداف مقترحة تشمل منازل وأفراد، بناء على تحليلات آلية، ويقتصر دور الإنسان فقط على "الموافقة" دون مراجعة تفصيلية.

هذا النوع من الحرب الحديثة يجعل من السهل استهداف قيادات حتى لو لم يظهروا بوجوههم، كما في حالة أبو عبيدة.
اقرأ أيضًا: استشهاد أبو عبيدة، عناصر حماس وأسرته تعرفوا على الجثمان
حقيقة اغتيال أبو عبيدة، الإعلام العبري يتغنى بجرائم الاحتلال
"خلية التبرير" .. كيف تدير إسرائيل الرواية بعد الاغتيال؟
لا تتوقف المعركة عند إطلاق الصاروخ، بل تبدأ مرحلة أخرى أكثر حساسية، وهي إدارة الرأي العام، ولهذا أنشأت إسرائيل وحدة خاصة تعرف باسم "خلية التبرير"، مهمتها إصدار ملفات جاهزة بعد كل عملية اغتيال، تتضمن أدلة (غالبًا استخباراتية أو تقنية) لتبرير أن الهدف كان "إرهابيًا".
يستخدم هذا الأسلوب خصوصًا عند استهداف شخصيات مدنية أو صحفيين، حيث تُصنع رواية مقبولة دبلوماسيًا، لتفادي الانتقادات الدولية.
اغتيال أبو عبيدة.. تفوق استخباراتي أم اختراق داخلي؟
إذا تأكدت أنباء اغتيال أبو عبيدة، فإن العملية لن تكون مجرد نجاح عسكري، بل ستعكس حجم تطور القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية، وتعزز فرضية وجود ثغرات أمنية داخل غزة، سواء من خلال:
- تسرب معلومات من داخل الدوائر المغلقة.
- أو خطأ في الاتصال أو التنقل كشف موقعه.
.في الحالتين، تصبح المعركة الاستخباراتية أكثر خطورة من المعركة العسكرية نفسها