
التحول الرقمي .. مصطلح فرض نفسه على الساحة العالمية، بعد أن بات ضرورة حتمية تفرضها طبيعة العصر، وليس خياراً استراتيجياً.
وتشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن الرقمنة تسهم بما يزيد عن 15% من الناتج المحلي العالمي، مع توقعات بأن تصل نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 25% بحلول عام 2030.
هذه القفزة الهائلة تؤكد أن المجتمعات التي تتأخر في اعتماد التحول الرقمي ستواجه فجوة تنموية كبيرة مقارنة بالدول التي جعلت من التكنولوجيا أساسًا لتطوير خدماتها واقتصادها.
لم يعد التحول الرقمي مقتصرًا على قطاع واحد بعينه، بل امتد إلى التعليم، الصحة، الإعلام، التجارة، وحتى الزراعة، حيث أظهرت دراسات الأمم المتحدة أن 70% من الحكومات حول العالم اعتمدت حلولًا رقمية لتسريع الخدمات.
هذا التوسع يشير إلى أن الرقمنة أصبحت شريانًا أساسيًا للحياة اليومية، وهو ما يتطلب خططًا وطنية متكاملة لمواكبة التطور التكنولوجي المتسارع.

ومع تسارع التحول الرقمي، يتزايد دور البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في صنع القرار، إذ تشير تقارير مؤسسة "IDC" إلى أن الإنفاق العالمي على التحول الرقمي تجاوز 2.3 تريليون دولار في عام 2023، وهو ما يمثل ربع إجمالي الإنفاق على تقنية المعلومات.
هذه الأرقام تكشف أن المستقبل الاقتصادي والسياسي والإداري للعالم يتجه نحو رقمنة شاملة.
التحول الرقمي وأثره على الاقتصاد العالمي
التحول الرقمي يعد قوة اقتصادية صاعدة، حيث أظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن الشركات التي اعتمدت استراتيجيات رقمية مبكرًا حققت نموًا أسرع بنسبة 45% مقارنة بالمنافسين التقليديين.
وهذا النمو يعكس أن الرقمنة لم تعد رفاهية، بل أصبحت رافعة أساسية للإنتاجية وزيادة الناتج المحلي للدول.
كما أن الاقتصاد الرقمي يمثل اليوم أكثر من 7 تريليونات دولار عالميًا، وفقًا لتقديرات "Statista"، ومن المتوقع أن يتضاعف ليصل إلى 15 تريليون دولار بحلول عام 2030.
هذه الأرقام تعني أن التحول الرقمي لم يعد مجرد انتقال إلى أدوات تقنية، بل هو ثورة اقتصادية تعيد رسم موازين القوى في الأسواق العالمية.
كما ساهم التحول الرقمي في خلق ملايين الوظائف الجديدة في مجالات مثل تحليل البيانات، الأمن السيبراني، وتطوير البرمجيات.
وعلى الجانب الآخر، أدى إلى انقراض وظائف تقليدية بمعدل 20% خلال العقد الأخير، هذه المفارقة تؤكد أن التحول الرقمي يعيد تشكيل سوق العمل ويفرض مهارات جديدة على الأجيال القادمة.

التحول الرقمي وتحديات الأمن والمجتمع
على الرغم من الفوائد الكبيرة للتحول الرقمي، إلا أنه يواجه تحديات خطيرة أبرزها الأمن السيبراني، إذ تشير إحصائيات الاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن العالم يشهد أكثر من 30 مليار محاولة اختراق إلكتروني سنويًا، ما يكلف الاقتصاد العالمي نحو 6 تريليونات دولار سنويًا.
وهذه الأرقام تعكس حجم المخاطر التي قد تعرقل مسيرة الرقمنة إذا لم يتم تعزيز أنظمة الحماية الرقمية.
وعلى مستوى المجتمعات، يثير التحول الرقمي جدلًا حول الخصوصية، البطالة التكنولوجية، والعدالة الرقمية، ففي حين يحصل سكان المدن الكبرى على خدمات رقمية متطورة، يعاني نحو 2.6 مليار إنسان حول العالم من غياب الإنترنت عالي السرعة، مما يوسع فجوة "اللا مساواة الرقمية".
التحدي الآخر يتمثل في مقاومة التغيير داخل المؤسسات التقليدية، حيث أظهرت دراسات أن 40% من المؤسسات في الدول النامية لم تبدأ بعد في وضع خطط واضحة للتحول الرقمي.
وهذا البطء يهدد بتراجع قدرتها التنافسية عالميًا، خاصة في ظل سباق التكنولوجيا بين الولايات المتحدة، الصين، والاتحاد الأوروبي.