
القرآن الكريم هو سلاح الحق الذي يقف في مواجهة الإرهاب والتطرف، ففي عالمٍ يضج بالفتن وتتصارع فيه الأهواء، يقف القرآن الكريم شامخًا كالنور الذي يبدد ظلمات البغي والعدوان، وكالميزان الذي يزن الحقائق بميزان العدل الإلهي.
لقد حاولت جماعات التطرف والإرهاب أن تُحرّف الكلم عن مواضعه، فتستشهد بالآيات على غير مقاصدها، وتُسقط النصوص على أفعالها الإجرامية، لكن كلام الله تعالى محفوظ من التحريف، ناطق بالحق، كاشف لزيفهم.
الحرابة والفساد في الأرض.. حدٌّ لحماية الأرواح
لقد شرع الله العقوبات الرادعة لحماية المجتمعات، فقال الله تعالى﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].
فهذه الآية وضعت منهجًا ربانيًا لردع من يروع الآمنين ويستبيح الدماء. وهي رسالة أن الإسلام دين أمن وعدل، لا دين قتل وظلم.
وقد طبّق النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ حينما أُتي إليه بقطاع الطرق الذين قتلوا وسرقوا، فأقام عليهم الحد كما أمر الله، ليكونوا عبرة لغيرهم. ومع ذلك، فباب التوبة مفتوح دائمًا، كما قال الله تعالى﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 34]، ليوازن الإسلام بين الحزم في العقوبة والرحمة في التوبة.
الجهاد في الإسلام.. دفاعٌ عن الحق لا عدوان
لم يشرع الإسلام الجهاد إلا لرد العدوان، لا لفرض الدين بالقوة، يقول الله تعالى﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]، فالأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم، والحرب استثناء تُفرض للدفاع عن النفس والحقوق.
وفي موضع آخر، يقول الله تعالى﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، فالترهيب هنا ليس لإرعاب الأبرياء، بل لردع المعتدين ومنعهم من الإقدام على الظلم.
وهذا ما جسّده النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحًا، فلم يرفع سيفًا للانتقام، بل قال لقريش: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ليؤكد أن القوة في الإسلام وسيلة لحماية الأرواح، لا لإزهاقها.
إن الإسلام بريء من الإرهاب براءة النور من الظلام، وهو دين الرحمة كما قال الله تعالى﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
والرحمة في شريعته أصلٌ، والعقوبة استثناء لحفظ المجتمع من الفساد، وإذا وعى المسلمون هذه الحقيقة، فلن يجد التطرف أرضًا ينبت فيها، وسيبقى القرآن الكريم هو الحصن المنيع الذي يحمي القلوب من الانحراف، والعقول من التضليل، والمجتمعات من الانهيار.