
يوم الجمعة سيد الأيام، فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه، وفيه مضاعفة للأجور ورفعة للدرجات، وهو موعد أسبوعي للمؤمن ليجدد نيته ويتزود من الخير.
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه في هذا اليوم الصدقة والإنفاق في سبيل الله، سواء كان ذلك صدقة للفقراء، أو مساعدة لمحتاج، أو دعمًا لمشروع نافع للمجتمع.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ \[البقرة: 254].
الصدقة يوم الجمعة.. بركة مضاعفة وأجر عظيم
الإنفاق في سبيل الله هو بذل المال أو الجهد أو الوقت في أعمال الخير، وهو من علامات صدق الإيمان، يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ \[البقرة: 262].
وفي يوم الجمعة، يكتسب الإنفاق خصوصية، إذ تجتمع فيه بركة اليوم وفضل العمل، فيكون الأجر مضاعفًا بإذن الله، وقد جاء في الحديث الشريف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن" \[رواه البخاري ومسلم]، وإذا كان الجود في رمضان مضاعفًا، فإن يوم الجمعة فرصة أسبوعية للجود والعطاء.
ويحثنا الله على أن يكون ما ننفقه من أفضل أموالنا، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ \[البقرة: 267].
ومن السيرة النبوية، نقرأ مواقف مضيئة؛ فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقة سمينة ليتصدق بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لك بها سبعمائة ناقة يوم القيامة" [رواه مسلم] وهذا يدل على مضاعفة الأجر بأضعاف لا يعلمها إلا الله.
القرض الحسن.. تجارة مضمونة مع الله
شبه الله تعالى العطاء في سبيله بالقرض الحسن الذي يضاعفه لمن يشاء، يقول الله تعالى: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: 17].
وفي الحديث القدسي: "يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك" [رواه مسلم] وهذا وعد رباني بأن ما يقدمه العبد من مال أو خير يعود عليه أضعافًا مضاعفة في الدنيا والآخرة.
ومن أعظم الأمثلة من سيرة الصحابة، ما فعله سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه حين جهز جيش العسرة بماله وعتاده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" [رواه الترمذي].
ويحذرنا الله من البخل أو الإسراف، ويأمرنا بالاعتدال، يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
فالإنفاق في يوم الجمعة ليس مجرد صدقة، بل هو إعلان ولاء لله، وإظهار للمحبة لعباده، وضمان لتطهير النفس ونيل البركة. فليكن لكل واحد منا عادة ثابتة في هذا اليوم المبارك، ولو بالقليل، لعلها تكون سببًا في رضى الله والفوز بجناته.