الخميس 14 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

لم تعد الهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا مجرد حلم يراود بعض الشباب أو كابوس يؤرق الحكومات، بل تحولت إلى ملف ثقيل تتقاطع فيه السياسة بالاقتصاد، ويتشابك فيه البعد الأمني مع البعد الإنساني. 

فمنذ أكثر من عقد، شكّل البحر المتوسط مسرحًا لعبور الآلاف، بعضهم بلغ شواطئه، وآخرون ابتلعهم الموج في صمت. 

بين عامي 2009 و2024، عبر نحو 71,200 مهاجر مصري غير شرعي إلى أوروبا، معظمهم عبر طريق شرق المتوسط من تركيا إلى اليونان، فيما سلكت أعداد أقل طريق وسط المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا.

وفي عام 2024 وحده، صارت مصر رابع أكبر مصدر للهجرة غير الشرعية عبر وسط المتوسط، وثالث أكبر عبر الشرق، في مؤشر على تعقّد الظاهرة واتساع نطاقها رغم القيود الدولية.

لكن عام 2016 كان نقطة التحول الكبرى، حين أغلقت الدولة طرق «مراكب الموت» عبر البحر وأطلقت استراتيجية بديلة ترتكز على التنمية والردع.

مشروعات متكاملة شملت 11 محافظة من الأكثر تصديرًا للهجرة، بتمويل بلغ 27 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، أفرزت 4 ملايين فرصة عمل يومية و26 ألف فرصة عمل دائمة، ودربت أكثر من 42 ألف شاب على ريادة الأعمال، فضلاً عن تمويل إضافي بلغ 63 مليون يورو، لتغطية مبادرات بنية اقتصادية وخدمية أعادت رسم ملامح القرى والمراكز.

كما شملت الاستراتيجية المصرية قوانين رادعة لمواجهة الهجرة غير الشرعية، أبرزها قانون رقم 82 لسنة 2016 الذي نص على السجن المشدد لمدد لا تقل عن خمس سنوات وغرامات تصل إلى مليون جنيه بحق مرتكبي جرائم تهريب المهاجرين.

ومع تشديد الرقابة البحرية، لم يُسجَّل خروج رسمي لأي مركب هجرة غير شرعية من الشواطئ المصرية منذ ذلك العام، ورافقت ذلك حملات توعية واسعة مثل مبادرة «مراكب النجاة» في 14 محافظة، وبرنامج «حياة كريمة» الذي أحدث تغييرًا عميقًا في حياة ملايين المواطنيين في الريف المصري.

خبير سياسي : مكافحة الهجرة غير الشرعية لا يمكن أن تكون عبئا تتحمله دولة بمفردها - Maroc 24

غير أن التحديات لم تغب، فقد تحولت مصر إلى دولة مقصد لنحو 10 ملايين أجنبي، بينهم 6 ملايين سوداني، ما يفرض تكلفة سنوية تقترب من 300 مليار جنيه ويزيد الضغط على الخدمات وفرص العمل، كما لجأ البعض إلى مسارات بديلة عبر ليبيا أو البلقان، في وقت تشير فيه منظمة العمل الدولية إلى أن نحو 27.6 مليون إنسان حول العالم يقعون تحت قبضة العمل القسري، يحققون لشبكات الاستغلال أرباحًا تصل إلى 236 مليار دولار سنويًا، بزيادة 37% خلال عقد واحد، بينما يولّد الاستغلال الجنسي – رغم أنه يطال 27% فقط من الضحايا – 73% من الإيرادات، أي بمعدل يقارب 10,000 دولار لكل ضحية.

أما في أوروبا، فقد سجلت وكالة فرونتكس انخفاضًا حادًا في محاولات العبور غير القانوني، في عام 2024، وتراجعت هذه المحاولات إلى 239 ألف حالة، وهو أدنى مستوى منذ 2021، مع هبوط بنسبة 59% في طريق البحر المتوسط المركزي، و78% في طريق البلقان الغربي، مقابل زيادة بنسبة 14% في مسار البحر الأبيض الشرقي، واستقرار نسبي في طريق إفريقيا الغربية، وفي النصف الأول من 2025، تواصل التراجع بنسبة 20% مقارنة بالعام السابق، ما يعكس أثر الجهود الأمنية والدبلوماسية المشتركة.

مصر وملف الهجرة غير الشرعية-الهيئة العامة للإستعلامات

وسط هذه الأرقام والحقائق، أعادت مصر صياغة صورتها من دولة مصدّرة للهجرة غير الشرعية إلى طرف فاعل في إدارتها ومكافحتها، عبر شراكات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي وحضور نشط في المؤتمرات الدولية. 

إن قصة مصر مع الهجرة غير الشرعية لم تعد حكاية عبور أمواج، بل صارت نموذجًا لتحويل أزمة ممتدة إلى تجربة إقليمية في الإدارة المتكاملة للهجرة، حيث تتكامل التنمية مع القانون، ويتحد الأمن مع الشراكة الدولية، لتبقى المعركة مفتوحة ولكن بأدوات أكثر قوة ووعيًا من أي وقت مضى.

شيرين صفوت – إيطاليا

تم نسخ الرابط