
نعيش في زمن كثرت فيه المظاهر وتباعدت فيه القلوب، وأصبح النفاق والكذب والرياء من الأمراض الاجتماعية المنتشرة، وهنا قد يجد الإنسان نفسه حائرًا في كيفية التعامل مع الآخرين.
أحيانًا نشعر أن من حولنا يظهرون غير ما يخفون، فنميل إلى الحذر المفرط، وننشغل في تتبع النوايا، ونفترض سوء الظن قبل حسن الظن، فنفقد صفاء أرواحنا ونكدّر حياتنا.
لكن الحقيقة أن هذا المسار يفسد العلاقات الإنسانية ويجعلها قائمة على الشك والريبة، وهو أمر ينافي تمامًا أخلاقيات الدين الحنيف الذي أمرنا بحسن الظن، ورغّبنا في التماس الأعذار، وحذّرنا من التجسس والتنقيب في قلوب الناس.

يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عاملوا الناس بما يظهرونه لكم، والله يتولى ما في صدورهم"، إنها قاعدة ذهبية تريح القلب وتفتح باب السكينة، فالنوايا سر بين العبد وربه، والحساب على الله لا على البشر.
وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" (رواه البخاري ومسلم)، أي أن التعامل يكون على أساس الظاهر، وما خفي من أمرهم فالله يتكفل به.
وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا وأنت تجد لها في الخير محملًا"، فالأصل في المؤمن أن يحمل كلام الناس وأفعالهم على الخير ما استطاع، فهذا يحفظ المحبة ويبعد القلوب عن الشحناء.
وللحكماء كلمات خالدة في هذا المعنى، فقد قال سقراط: "احكم على الناس بأفعالهم لا بنواياهم، فالنوايا لا يعلمها إلا الله" وهذه الحكمة تتناغم مع جوهر الدين في الدعوة إلى العدل والإنصاف.
إن التعامل مع الناس بظاهرهم ليس ضعفًا ولا غفلة، بل هو حكمة تقي القلب من العناء، وتمنح الروح سلامها، فلنعش بأخلاقنا نحن، لا بأخلاقهم هم، ونترك السرائر لعلام الغيوب، ونمضي بقلوب نقية لا تعكرها الظنون.