
لا شيء يوجع قلب الأم أكثر من أن ترى فلذة كبدها يبتعد شيئًا فشيئًا عن براءته، لينغمس في عناد وتمرد يلتهم ملامح طفولته.
يبدأ الأمر أحيانًا بمجادلة صغيرة أو رفض بسيط للأوامر، ثم يتحول إلى تحدٍ متعمد، ونظرات استفزازية، وكلمات قاسية، وسلوك يهدد استقراره ومستقبله.
قد يخدعك الأمل بأن هذه مجرد مرحلة عابرة وستنتهي، لكن وراء هذا التمرد جرس إنذار مبكر، يطالبك بالتحرك قبل أن يصبح الإصلاح طريقًا وعرًا.

اضطرابات السلوك لم تعد نادرة في عصرنا، بل صارت ضيفًا ثقيلًا يتسلل إلى البيوت دون استئذان، مستفيدًا من ضغوط الحياة، وإيقاعها السريع، وشاشات الهواتف، وأجواء أسرية قد تفتقر أحيانًا إلى الهدوء أو الحوار أو الوقت الكافي للأطفال. إنها ليست مجرد شقاوة، بل نمط متكرر من السلوكيات التي تتحدى القواعد وتعتدي على حقوق الآخرين، وقد تبدأ بالمشاكسة وتنتهي بالعدوان أو التخريب، ومع كل يوم يمر دون تدخل، يزداد الأمر تعقيدًا.
الأسباب متشابكة، بين عوامل بيولوجية كاستعداد وراثي أو خلل في كيمياء الدماغ يؤثر على ضبط الانفعالات، وعوامل نفسية واجتماعية مثل ضعف مهارات ضبط الغضب، أو بيئة أسرية مضطربة، أو غياب الإشراف الأبوي.
لكن مهما كان السبب، فإن الحل يبدأ من وعيك أنت، ومن قرارك أن تكوني جسر الإنقاذ قبل أن يتسع الخرق.

تشخيص هذه الاضطرابات يحتاج لتقييم شامل من مختصين، يجمعون المعلومات من المنزل والمدرسة، ويراقبون السلوك في مواقف متعددة، مع التأكد من استمرار النمط السلوكي لمدة لا تقل عن ستة أشهر وتأثيره على الدراسة أو العلاقات أو الحياة الأسرية.
دورك هنا حاسم: أن تصفي الواقع بصدق، وأن تواجهيه بشجاعة بدلًا من إنكاره.
أما العلاج فهو رحلة تحتاج لصبر وحنان وحزم في الوقت نفسه.
يقوم على تعديل السلوك عبر التعزيز الإيجابي، ووضع قواعد واضحة وثابتة، وتدريبك على التعامل مع المواقف الصعبة دون صراخ أو تهديد.
يحتاج طفلك إلى بيئة يشعر فيها بالأمان والحب حتى حين يُحاسب على خطئه.
وقد يقترح المختصون تدخلًا دوائيًا في بعض الحالات، خاصة إذا كانت هناك اضطرابات مصاحبة مثل فرط الحركة أو القلق، لكن الأساس يظل في التربية السلوكية الصحيحة.
التدخل المبكر هو مفتاح النجاح, كل يوم تتأخرين فيه يمنح المشكلة مساحة أكبر للتجذر في شخصية طفلك.
التعاون بينك وبين المدرسة والأطباء النفسيين هو خط الدفاع الأقوى، الذي يحميه من الانزلاق إلى مشكلات أكبر في المراهقة أو حتى في حياته البالغة.
في النهاية، الطفل المتمرد ليس عدوًا، بل هو طفل يصرخ طلبًا للمساعدة، وإن كان صراخه في صورة تحدٍ أو عناد.
خلف الغضب والرفض، هناك قلب صغير يحتاج من يحتويه، ويد تمسك به، ودفء يعيده إلى بر الأمان.
لا تنتظري حتى يخسر الطريق كوني أنتِ بوصلة العودة.