الثلاثاء 12 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

لم يعد دخان الحرائق في شوارع مصر مفاجأة، بل صار مشهدًا مألوفًا، يتكرر على نحو يدعو إلى الحيرة والحزن معًا. 

من وسط البلد إلى أطراف القاهرة الكبرى، ومن المحال التجارية الصغيرة إلى المولات الضخمة، ومن مباني البريد وسنترال رمسيس إلى المعامل المركزية والمصانع في المدن الصناعية، تشتعل النيران، وتخلف وراءها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وكأننا أمام مشهد سينمائي يعاد عرضه كل بضعة أسابيع، دون تغيير في السيناريو أو النهايات.

هذه ليست حوادث عابرة، ولا قدرًا محتومًا لا يمكن دفعه، بل هي نتيجة مباشرة لغياب منظومات السلامة المهنية، وانعدام التراخيص في كثير من المحال والمخازن، وتراخٍ مزمن في رقابة البلديات.

حين تغيب أعين الرقابة، تتحول الشرارة الصغيرة إلى لهب يلتهم كل شيء، وتُترك الأرواح والممتلكات فريسة للفوضى وسوء التخطيط.

بالصور: حرائق القاهرة تزيد معاناة المواطنين.. خسائر بالملايين والفاعل مجهول

إن علم إدارة الأزمات علمني أن الكوارث لا تأتي فجأة؛ فهي تكتب مقدماتها بوضوح قبل أن تقع، والمراحل الأكاديمية والعملية لهذا العلم تبدأ بالتنبؤ بالأزمة ووضع البدائل قبل وقوعها، ثم إدارة المشهد أثناء اشتعال الأزمة وفق سيناريوهات مدروسة، وصولًا إلى ما بعد الحريق، حيث تبدأ عملية التعافي ووضع ضمانات لعدم التكرار.

لكن ما نراه على أرض الواقع هو العكس تمامًا: ننتظر حتى تلتهم النيران كل شيء، ثم نحشد الجهود لإزالة آثار الخراب، وكأن الحل هو مجرد تنظيف المكان، لا معالجة الجذر.

المحافظون، في أغلب الأحيان، يكتفون بالظهور الميداني أمام الكاميرات وقت الأزمة، في حين أن قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 يلزمهم بالتنسيق ووضع قرارات بديلة تحمي أرواح الناس وأرزاقهم. 

أين الخطط الاستراتيجية لإحلال الأكشاك والمحال المخالفة ببدائل آمنة؟ أين التدريب الإلزامي لموظفي الأمن الصناعي في الوزارات والمحافظات؟ وأين منظومات الإطفاء الأوتوماتيكية وأجهزة استشعار الحريق في المنشآت العامة والخاصة؟

الفجوة بين عدد مفتشي السلامة المهنية وحجم المنشآت في مصر صارت خطيرة، والسبب المباشر هو ثغرات قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، الذي جعل من الرقابة إجراءً شكليًا أكثر من كونه أداة حماية حقيقية. 

وفي المقابل، نرى أن الدول العربية والإقليمية قلما تواجه حرائق بهذا التكرار أو الإهمال، بل تدير الأزمات بكفاءة، وتستخدم حتى المروحيات في الإطفاء، بينما هنا ما زلنا نتعامل بأسلوب “إطفاء الحريق” بالمعنى الحرفي لا المجازي.

إن منع تكرار هذه المآسي ليس ضربًا من الخيال، بل يتطلب إرادة وإدارة، ومجموعة من الإجراءات العاجلة ومنها، تركيب أنظمة إنذار مبكر، وتخزين آمن للمواد القابلة للاشتعال، وتدريب إلزامي للموظفين على الإخلاء، وتوفير مخارج طوارئ واضحة، وتشكيل فرق فنية في كل وزارة ومحافظة للتنسيق مع الدفاع المدني.

لقد آن الأوان أن نكف عن انتظار الكارثة لنستيقظ، وأن نعيد النظر في فلسفة إدارة الأزمات في مصر، فالنيران التي تشتعل في محال وسط البلد ليست مجرد حوادث، بل إنذار أحمر يصرخ في وجه كل مسؤول: الوقاية ليست ترفًا، بل حياة.

تم نسخ الرابط