
من قلب غزة الجريحة، حيث يتناثر الركام كأحرفٍ من كتاب الدم، إلى شوارع صنعاء، وأزقة حلب، وقرى جنوب لبنان، وخرائب الموصل، وأطراف دارفور، تتردد الصرخة ذاتها: "كفى، كفى، كفى!".
صرخة ليست من الحناجر وحدها، بل من الأرض ذاتها، من رائحة التراب الممزوج بالدماء، ومن صمت القبور التي امتلأت بأجساد الشهداء الطاهرة. إنها صرخة الأمة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وفي وجه كل من يدعم آلة الدمار التي حوّلت منطقتنا إلى مسرح دموي طويل الأمد.
اليوم، تلوح معاهدة الدفاع العربي المشترك، الموقعة في 17 يونيو 1950، كأمل أخير لتوحيد الصفوف، بعد أن أثبتت التجارب أن التجزئة هي أقوى أسلحة العدو.
فهذه الوثيقة التي تنص بوضوح على أن «أي اعتداء على أي دولة عربية هو اعتداء على جميع الدول العربية» ليست مجرد حبر على ورق، بل عهد شرف ودم، يجب أن يُفعّل لا أن يُحفظ في الأرشيف.

أرقام المأساة.. خريطة الدم العربي والبداية من غزة
في غزة وحدها بلغت الأزمة حدًّا غير مسبوق، حيث تحولت مدنها وقراها إلى أطلال، وتبدّدت ملامح الحياة اليومية تحت وطأة القصف المستمر والحصار الخانق. تكدست الجثامين في المستشفيات والمشارح والطرقات والشوارع، ولم تعد تتسع لضحايا العدوان، أما عن أبرز الخسائر في غزة:
- أكثر من 61,430 شهيدًا فلسطينيًا، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
- أكثر من 200,000 جريح.
- 170 طفلًا توفوا بسبب سوء التغذية الحاد منذ أكتوبر 2023، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة.
- أكثر من 1.2 مليون نازح داخليًا.
- نحو 1.9 مليون مشرد داخليًا، أي ما يعادل أكثر من 85% من سكان القطاع.
- خسائر اقتصادية تجاوزت 20 مليار دولار نتيجة تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية.

خسائر الحرب في سوريا.. مأساة عمرها أكثر من 15 عامًا
أما في سوريا، فقد تحولت الأزمة إلى مأساة لا تنتهي، حيث تهدمت المدن والقرى تحت وطأة الحرب المستعرة، وسقطت آلاف الأرواح التي لا تُعد ولا تُحصى، تاركة خلفها شعبًا مشردًا يبحث عن مأوى وأملًا في غد أفضل، وقد بلغت خسائر الحرب في سوريا:
- بين 580,000 و656,000 شهيد، بينهم نساء وأطفال.
- مئات الآلاف من الجرحى، كثير منهم يعانون من إصابات دائمة.
- أكثر من 250,000 منزل مدمّر بالكامل.
- أكثر من مليون وحدة سكنية متضررة جزئيًا.
- نحو 13 مليون نازح ولاجئ داخلي وخارجي.
- خسائر اقتصادية تجاوزت 442 مليار دولار بسبب الدمار الواسع في البنية التحتية والمرافق الحيوية.

اليمن.. مأساة الحصار والحرب التي لا تنتهي
أما اليمن أصل العروبة فقد باتت تئن من ويلات الحرب المستمرة والحصار الخانق، حيث تحولت الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء، آلاف القتلى والملايين من النازحين الذين فقدوا منازلهم وأحلامهم، بينما يعاني الناس من نقص حاد في الغذاء والدواء، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية، أما عن آخر حصر للخسائر في اليمن فهي:
- أكثر من 377,000 قتيل، بينهم آلاف المدنيين الأبرياء.
- حوالي 227,000 حالة وفاة بسبب الجوع والمرض، ضحايا غير مباشرين للحرب.
- أكثر من 50% من المنشآت الصحية مدمرة.
- أكثر من 60% من المدارس توقفت عن العمل.
- نحو 4 ملايين نازح داخلي يعيشون في ظروف مأساوية.
- خسائر اقتصادية تقدر بـ126 مليار دولار.

لبنان.. الوطن الجريح بين الحرب والاحتلال
أما لبنان، التي لم تعرف هدوءًا مستدامًا، شهدت موجات من العنف والدمار، كان آخرها العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي لم ينته بعد، وأوقع خسائر فادحة من ابرزها:
- 4,047 شهيدًا و16,638 جريحًا.
- حوالي 30,000 وحدة سكنية دُمرت أو تضررت بشكل كبير.
- أكثر من 1.5 مليون لاجئ ونازح داخلي وخارجي.
- خسائر اقتصادية تجاوزت 15 مليار دولار.

العراق ينشد معاهدة الدفاع المشترك تحت وطأة الحروب
أما بغداد، عاصمة الثقافة العربية، فحدث ولا حرج، ولم يعد في الإمكان حصر عدد ضحايا الحروب التي عصفت بالعراق منذ سقوط نظام صدام حسين وحتى الآن، إذ تتفاوت التقديرات وتختلف المصادر في أرقامها، مما يعكس حجم المعاناة والتشريد الذي شهده الشعب العراقي.
تشير منظمة الصحة العالمية إلى سقوط ما بين 151,000 إلى 1,033,000 قتيل خلال الفترة بين عامي 2003 و2008، وهو رقم يتسع نطاقه ليعكس حجم المأساة الإنسانية.
أما جامعة جونز هوبكنز فتقدر عدد القتلى في العراق بحوالي 600 ألف عراقي نتيجة أعمال العنف المتفرقة التي شهدتها البلاد، في حين يذهب مركز "أو آر بي" (ORB) إلى تقدير أكثر تشاؤمًا، موثقًا مقتل أكثر من مليون عراقي منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
أما هيئة إحصاء الضحايا العراقيين فتؤكد مقتل أكثر من 106,348 عراقيًا برصاص القوات الأمريكية فقط، بينما تسجل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) 359,549 قتيلاً حتى عام 2016، ويوثق مشروع إحصاء الجثث في العراق مقتل نحو 208 آلاف حالة وفاة بسبب العنف بين المدنيين حتى فبراير 2020.
هذه الأرقام المخيفة لا تعكس سوى جزء من حجم الدمار، إذ تتضافر معها خسائر أخرى جسيمة في صفوف الجرحى، الذين يُقدّر عددهم بعشرات الآلاف، إضافة إلى ملايين النازحين داخليًا، الذين يعانون في مخيمات اللجوء والشتات من تداعيات الحرب وأحلام مهددة بالانطفاء.

السودان.. بين الحرب والتهجير والمجاعة
في السودان، تتفاقم الأوضاع بين نزاعات مسلحة وحروب أهلية، مما أدى إلى مأساة إنسانية غير مسبوقة وتدمير هائل للبنى التحتية، وبلغت خسائر الحرب في السودا طبقاً لآخر الإحصائيات الدولية:
- حوالي 150,000 قتيل خلال عامين فقط.
- نحو 700,000 طفل يواجهون خطر الموت بسبب الجوع والأمراض.
- ملايين المشردين داخليًا.
- خسائر اقتصادية تقدر بأكثر من 210 مليار دولار.
- هذه ليست أرقامًا صمّاء، بل وجوه وأسماء وأحلام أُجهضت قبل أن تولد.

معاهدة الدفاع العربي المشترك الأمل الأخير في ردع إسرائيل
في ظل هذه المآسي المتسلسلة التي عصفت ببلداننا العربية، لم يعد أمام الأمة سوى التوحد وتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، التي تشكل سلاحًا استراتيجيًا ودفاعيًا جامعًا قادرًا على وقف آلة الحرب والعدوان التي تستهدف غزة وكل المنطقة العربية.
إن التطبيق الجاد لهذه المعاهدة ليس خيارًا بل ضرورة وجودية، فالتجزئة والتمزق مكّن الاحتلال والعدوان من استغلال ضعفنا، وفرض معادلات لا تليق بتاريخنا ولا تطلعات شعوبنا، ومن خلال تفعيل هذه الوثيقة، تتحول كلماتها إلى فعل، وصمتها إلى صوت مدوٍ، يردع كل معتدٍ ويعيد التوازن إلى منطقتنا.
إن مجرد الإعلان عن تفعيل هذه المعاهدة، يمثل رسالة واضحة إلى العالم، بأن الأمة العربية لا تقبل أن تبقى حلبة للصراعات المستمرة وأن كرامتها وأمنها موحدان لا ينفصلان.
إن تفعيل هذه المعاهدة هو الخطوة الأولى نحو استعادة الحقوق، والحفاظ على الشعوب من الدمار، وفتح صفحة جديدة تضع حدًا لمعاناة الملايين من أبنائنا.
ومن خلال تفعيل هذه الاتفاقية، تتحول الصرخة العربية إلى قوة، والقوة إلى انتصار، والانتصار يفتح آفاق الأمل والعدل والسلام.
د. حماد الرمحي