حين أصدر الأزهر الشريف بيانه الأخير مُديناً قرار الاحتلال الإسرائيلي باحتلال قطاع غزة والاستيلاء الكامل على أراضيه، كان يدرك أنه يضع إصبعه على جرح مفتوح في قلب الأمة.
البيان وصف القرار بأنه «دليل دامغ» على أن الاحتلال يسعى إلى محو فلسطين من الوجود، وطمس معالمها من خريطة العالم، مستنداً إلى السلاح والإرهاب، ومتحدياً كل القوانين والمواثيق الدولية.
لكن خلف هذه الكلمات القوية، تقف أرقام مفزعة ترسم صورة أوضح لحجم الكارثة.
أرقام الضحايا فى غزة مأساة بلا سقف
منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى أغسطس 2025، سجّلت وزارة الصحة في غزة 61,158 شهيداً وأكثر من 151,442 جريحاً، بينهم 18,430 طفلاً و9,735 امرأة.
غير أن تقارير مستقلة، مثل تقرير *الغارديان*، تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يتجاوز 80 ألفاً وربما يصل إلى 335 ألف وفاة إذا ما أُخذت في الحسبان الوفيات الناتجة عن الجوع والمرض وانهيار النظام الصحي.
هذه الأرقام لا تعكس فقط مأساة إنسانية غير مسبوقة، بل تكشف عن نمط إبادة ممنهج يستهدف المدنيين، ما يجعل بيان الأزهر بمثابة صرخة ضمير في وجه صمت عالمي مُريب.
غزة المدمرة بنية تحتية على ركام
حرب الإبادة لم تكتفِ بالأرواح، بل طالت الحجر والشجر نحو 69% من مباني قطاع غزة أي أكثر من 170 ألف مبنى دُمّرت أو تضررت جزئياً، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
الخسائر الاقتصادية المباشرة بلغت 18.5 مليار دولار حتى يناير 2024، فيما يقدَّر حجم الركام بـ 50 مليون طن يحتاج رفعه إلى 10-15 عاماً وكلفة تتجاوز 1.2 مليار دولار.
الأدهى أن بعض الدراسات، مثل تقارير *The Times* و*رويترز*، تحذر من أن إعادة إعمار غزة قد تمتد لأكثر من قرن كامل إذا استمر الحصار والدمار على هذا النحو، في حين قد تصل الكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار إلى 80 مليار دولار.
خسائر الاحتلال الإسرائيلى الحقيقة خلف الدعاية
على الجانب الآخر، تكبدت إسرائيل خسائر عسكرية فادحة منذ بدء الحرب
فقد قُتل 454 جندياً إسرائيلياً وأُصيب 2,870 آخرون، وفق بيانات رسمية، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن العدد الإجمالي للقتلى والجرحى من الجيش الإسرائيلي يصل إلى 15 ألفاً، إضافة إلى خسائر في المعدات والقدرات العسكرية.
هذه الأرقام تكشف أن الاحتلال يدفع ثمناً باهظاً، رغم تفوقه العسكري، وهو ما يضع علامات استفهام حول استدامة هذه الحرب على المدى الطويل.
بيان الأزهر الشريف.. قوة الموقف وحدود التأثير
بيان الأزهر جاء منسجماً مع رسالته التاريخية في الدفاع عن قضايا الأمة، ودعا إلى تضافر الجهود العربية والإسلامية والدولية لوقف العدوان.
غير أن الأرقام على الأرض تكشف أن رد الفعل الدولي ما زال في إطار الإدانات اللفظية، بينما المأساة تتفاقم
إن هذه الفجوة بين الخطاب والعمل تعكس أزمة أخلاقية وسياسية عميقة في النظام الدولي.
إن غزة اليوم ليست فقط قضية فلسطينية، بل جرح إنساني مفتوح يختبر ضمير العالم، فإذا كان بيان الأزهر قد أطلق صرخة، فإن الأرقام الموثقة تجعل من هذه الصرخة مطالبة عاجلة بتحرك عملي، يتجاوز المؤتمرات والبيانات، نحو خطة دولية ملزمة لإيقاف الحرب، ورفع الحصار، والشروع الفوري في إعادة الإعمار.