
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو كما يطلق عليه «الصياد» ليس رئيسًا تقليديًا للولايات المتحدة، فهو لم يأتِ من المؤسسة السياسية أو العسكرية، بل من أبراج العقارات واستوديوهات التلفزيون، وحلبات المصارعة.
جاء إلى البيت الأبيض بعقيدة رجل الأعمال الباحث عن الأرباح، فحوّل السياسة الخارجية إلى سلسلة من الصفقات، والعلاقات الدولية إلى فواتير قابلة للتحصيل.
في قلب هذه السياسة «الترامبية»، وجدت دول الخليج نفسها لاعبًا أساسيًا، وخزانًا ماليًا لطموحات الطاووس الأمريكي، مقابل وعود بالحماية والسيادة والتقنية والتحالف، فلم تكن زيارات ترامب مجرد رحلات رئاسية، بل جولات تسويقية ببزنس بمئات المليارات.
ومن الرياض إلى أبوظبي، ومن الدوحة إلى بغداد، رسم ترامب خريطة مصالح جديدة، تتداخل فيها الأسلحة مع الطائرات، والطاقة مع الذكاء الاصطناعي، والنفوذ مع السيادة، وعاد في أول جولة له بدول الخليج بما يعادل نحو 5 تريليون دولار!!
انتهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تعامله مع دول الخليج نهجًا واضحًا لا تخطئه العين، يقوم على معادلة واحدة: «المال مقابل الحماية، والدولار مقابل الولاء»، فتحوّلت في عهده العلاقات التقليدية بين واشنطن والعواصم الخليجية من تحالفات قائمة على «المصالح الاستراتيجية» إلى صفقات تجارية مغطّاة بدبلوماسية صاخبة وشعارات فارغة، ولم يتورع ترامب عن الإفصاح علنًا عن طبيعة هذه المعادلة حين صرّح في أحد خطاباته الشهيرة: «لولا حمايتنا، لما صمدت بعض الأنظمة أسبوعًا واحدًا».
لكن السؤال الأعمق يظل: هل اشترت دول الخليج أمنها فعلًا، أم باعت جزءًا من سيادتها مقابل الشعور بالحماية؟

ترامب والسعودية.. صفقات الذهب السياسي من واشنطن إلى الرياض
في عالم السياسة لا شيء يُمنح مجانًا، ومع دونالد ترامب، لم تكن التحالفات تُبنى على المبادئ أو القيم، أو الأخلاق أو القانون الدولي، بل تُقاس بالأرقام، وتُوزن بالعقود، وتُكتب على أوراق الصفقات.
المملكة العربية السعودية، بوصفها الشريك الأكبر في الخليج، لم تكن استثناءً من هذه القاعدة، بل تحوّلت إلى المسرح الأهم لعقلية "رجل الأعمال في البيت الأبيض".
فمنذ زيارته الأولى للمملكة عام 2017، غيّر ترامب قواعد اللعبة في العلاقات الأمريكية السعودية، وأصبحت الزيارة السياسية حملة ترويجية لعقود التسليح والتقنية والطاقة، وأصبحت الرياض أكثر من حليف، بل صندوقًا استثماريًا مفتوحًا لسياسات وتوجهات ورغبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
أما في زيارته الأخيرة، مايو 2025، فقد ارتفعت طموحات الصياد الأمريكي، وارتفعت معها وتيرة الصفقات مجددًا، لتسجل أرقامًا غير مسبوقة، عكست حجم التحوّل في فلسفة العلاقات الدولية في عهد ترامب، وفي زيارة واحدة نجح ترامب في خطف عشرات الصفقات والتي تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار صفقات مباشرة و600 مليار تعهدات مستقبلية، ويمكن تفصيل هذه الصفقات في النقاط التالية:
- توقيع 145 اتفاقية بقيمة: 300 مليار دولار
- إنشاء صندوقي طاقة وتكنولوجيا طيران: 10 مليارات دولار
- صفقات دفاعية: 142 مليار دولار

كما نجح في عقد عدة صفقات استثمارات تقنية كبرى مع شركات أمريكية كبرى مثل (غوغل، أوراكل، AMD، أوبر) بلغت قيمتها الإجمالية نحو 80 مليار دولار ومنها على سبيل المثال:
- حصة أوراكل وحدها: 14 مليار دولار
- استثمار داتاڤولت السعودية في أمريكا: 20 مليار دولار
- منصة "بركان وورلد إنفستمنتس": 15 مليار دولار
- صادرات جنرال إلكتريك إلى السعودية: 14.2 مليار دولار
- استثمارات في الذكاء الاصطناعي: 10 مليارات دولار
- مركز معادن حرجة: 9 مليارات دولار
- شامخ فور سوليوشنز – مصنع أميركي: 5.8 مليار دولار
- شراكة أمازون وهيوماين: 5 مليارات دولار
- صفقة طائرات بوينغ 737-8: 4.8 مليار دولار
- خدمات هندسية أميركية: 2 مليار دولار
- شحنات إنفيديا: 18 ألف شريحة ذكاء اصطناعي
- شراكة كوالكوم – هيوماين لمراكز بيانات (دون قيمة معلنة)
- مذكرة تفاهم حصانة – فرانكلين تمبلتون: 150 مليون دولار
- صفقات 2017 – 2020: البدايات الكبرى والنقلة النوعية
ما بين عامي 2017 و2020، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية طفرة غير مسبوقة في حجم ونوعية الصفقات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، مثّلت نقلة نوعية في مستوى التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وقد شكّلت هذه الفترة بداية ما يمكن وصفه بـ «البدايات الكبرى» لتحالفات شاملة، تخطت مجرّد عقود بيع السلاح، لتشمل مجالات الطاقة النووية والتقنيات المتقدمة والطائرات المسيّرة، وكان من أبرز هذه الصفقات:
- صفقة تسليح تاريخية بقيمة: 110 مليار دولار (مايو 2017)
- مشروع بناء 16 مفاعلًا نوويًا سلميًا بقيمة: 80 مليار دولار
- صفقة طائرات مسيّرة (ScanEagle) بقيمة: 500 مليون دولار (2020)

ترامب والإمارات: فواتير الأمن بثمن السيادة
لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة في عهد دونالد ترامب مجرد شريك اقتصادي أو سياسي تقليدي، بل تحوّلت إلى نموذج صارخ لما يمكن تسميته بـ «الدفع مقابل الحماية» أو كما وصفه البعض بـ «سياسة الصفقات مقابل السيادة».
وفي مايو 2025، سجّلت الإمارات أحد أكبر التحركات المالية في تاريخ علاقتها بواشنطن، حيث بلغت قيمة الاتفاقيات والصفقات الموقعة مع إدارة ترامب 200 مليار دولار كصفقات مباشرة، بالإضافة إلى 1.4 تريليون دولار كتعهدات مستقبلية، ما يعكس حجم الارتباط العميق بين المصالح الأمنية الأمريكية والموازنات الخليجية.
وقد شملت هذه الصفقات العديد من القطاعات داخل دولة الإمارات العربية المتحدة منها الطاقة، الدفاع، الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية الرقمية، والطيران، فيما يمكن اعتباره إعادة صياغة كاملة للاقتصاد الإماراتي تحت الهيمنة التقنية والأمنية الأمريكية، حيث شملت هذه الصفقات:
- تفاقيات نفط وغاز مع شركة أدنوك: 60 مليار دولار
- صفقة طائرات مع شركة الاتحاد للطيران: 14.5 مليار دولار
- استثمار شركة الإمارات العالمية للألمنيوم في مصهر بأوكلاهوما: 4 مليارات دولار
- تأسيس منصة سحابية سيادية بالشراكة مع أمازون ومجلس الأمن السيبراني الإماراتي
- مشروع "غاليوم" التقني بالتعاون مع RTX ومجلس التوازن الاقتصادي
- إنشاء مركز ذكاء اصطناعي بقدرة 5 غيغاوات في أبوظبي، يُعد الأكبر خارج أميركا
- شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي مع شركات وادي السيليكون
- إطلاق مركز كوالكوم الهندسي الجديد بالتعاون مع e& ومكتب أبوظبي للاستثمار
- أما عن الصفقات التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية في 2020 والتي وصفت بـ «جائزة التطبيع» بعد الاتفاق الإبراهيمي، فقد شملت العديد من القطاعات الحيوية ومن أبرزها:
- صفقة طائرات F-35 ومسيّرات هجومية (MQ-9 Reaper): 23 مليار دولار
- منظومة الدفاع الجوي THAAD: 1.4 مليار دولار

ترامب وقطر: من الحصار إلى المليارات
في عام 2017، أعلن دونالد ترامب دعمه المطلق لدولة قطر، ورفضه التام لمشروع المقاطعة والحصار المصري الخليجي ضد قطر، وأعطى غطاءً سياسياً لمحاولة عزلها إقليميًا.
لكن كما هو الحال في علاقاته الخليجية، لم تكن المواقف ثابتة، بل تُعاد صياغتها على مقياس "الأرباح"، ومع تعاظم المصالح الاقتصادية، تغيّر الخطاب من التهديد إلى الشراكة، وتحولت قطر إلى شريك مالي استراتيجي ضخم للولايات المتحدة.
وفي مايو 2025، سجّلت الدوحة قفزة هائلة في علاقاتها مع واشنطن، إذ بلغت قيمة الصفقات الموقعة نحو 243.5 مليار دولار كصفقات مباشرة، بالإضافة إلى 1.2 تريليون دولار كالتزامات واستثمارات مستقبلية، ما يعكس حجم التبادل الاقتصادي العميق الذي بات يربط الجانبين، بعد سنوات من الشكوك والتوتر.
ومن أبرز الصفقات الاقتصادية التي قنصها الصياد الأمريكي دونالد ترامب من قطر ما يلي:
- صفقة الخطوط الجوية القطرية والتي شملت 210 طائرات بوينغ و400 محرك من جنرال إلكتريك: 96 مليار دولار
- نفيذ 30 مشروعًا عمرانيًا وتكنولوجيًا من قبل شركة بارسونز الأميركية: 97 مليار دولار
- بيان نوايا للتعاون الأمني يشمل استثمارات عسكرية وأمنية: أكثر من 38 مليار دولار
- صفقة طائرات مسيّرة MQ-9B مع شركة جنرال أتوميكس: 2 مليار دولار
- استثمار في تقنيات الحوسبة الكمية عبر شراكة كوانتينيوم والربان كابيتال: 1 مليار دولار
- صفقة شراء أنظمة دفاع مضادة للطائرات المسيّرة من رايثيون: 1 مليار دولار
- مشاريع للطاقة والبنية التحتية مع شركة ماكديرموت الأميركية: 8.5 مليار دولار
- استكمال اتفاقية شركة إكسون موبيل لبناء منشآت لتسييل الغاز الطبيعي: 20 مليار دولار

دول الخليج الأخرى: صفقات ترامب الصامتة
رغم أن الأضواء تركزت على السعودية والإمارات وقطر، إلا أن دول الخليج الأخرى كانت جزءًا من المشهد الاقتصادي والاستراتيجي لعهد ترامب، وإنْ كانت بدرجة أقل صخبًا.
حيث أبرمت العديد من دول الخليج صفقات نوعية تندرج ضمن استراتيجية الانتشار الأميركي طويل الأمد في المنطقة، خاصة في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والتسليح، والموانئ.
ففي البحرين، شهد مؤتمر "السلام من أجل الازدهار" في المنامة إطلاق خطة استثمارية بقيمة 3 مليارات دولار، تم تمويلها خليجيًا وأميركيًا لدعم مشاريع تنموية ترتبط بصفقة القرن ومشاريع التطبيع الاقتصادي في الإقليم.
أما العراق، فرغم تعقيدات المشهد السياسي والأمني، فقد وقّع اتفاقًا استراتيجيًا مع شركة إكسون موبيل لتطوير حقل الناصرية العملاق بقيمة 53 مليار دولار، ما اعتُبر أكبر صفقة طاقة أميركية في البلاد منذ 2003.
وفي الكويت، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية معها صفقة عسكرية لتزويد سلاح الجو الكويتي بطائرات ومعدات عسكرية أميركية بلغت قيمتها 4 مليارات دولار، في إطار التحديث المستمر للقوات المسلحة الكويتية ضمن التحالف الدفاعي مع واشنطن.
أما سلطنة عمان، فقد جذبت استثمارات أميركية بقيمة 1.8 مليار دولار لتطوير ميناء الدقم، الذي يُعد ركيزة استراتيجية للملاحة والتحركات العسكرية الأميركية في بحر العرب والمحيط الهندي.
والخلاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعاد رسم خارطة التحالف الأميركي الخليجي، الذي لم يعد قائمًا على القيم أو المصالح المشتركة، بل على حجم الشيك وقيمة العقود والصفقات، فترك إرثًا ماليًا وسياسيًا ثقيلًا، يُسجّل ليس فقط في دفاتر الشركات، بل في ميزانيات دول كاملة.