الجمعة 22 أغسطس 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

مساء أمس كتبت مقالاً في موقع «الأيام المصرية» حول جهود رجال الشرطة بشكل عام، وضباط وأفراد الإدارة العامة لشرطة النجدة، بشكل خاص في الدور المحوري وغير المسبوق في حفظ الأمن والسلم الاجتماعي في القاهرة وربوع الوطن.

واليوم، فاجأتني الطفلة أمل محسن برسالة مبهجة ومؤلمة في آنٍ واحد، سطّرتها بدموعها وقلبها النابض بالخير والحب والسلام، وكأنها تصدّق على كل كلمة كتبتها في مقال الأمس، وتمنحها شهادة حياة لا تُشترى بالمال ولا تُكتب بالحبر فقط، بل تُسطّر بماء العين وصدق الوجدان.

الطفلة أمل، واحدة من آلاف الأطفال الذين ينتمون لفئة "قادرون باختلاف"، لكنها اليوم صارت رمزًا حيًّا لمعنى الكرامة التي لا تُقاس بالعمر، ولا تُنتزع من الضعفاء، بل تُصان وتحفظ بقوة القانون وإنسانية القائمين عليه.

لم تكن تتخيل أن مكالمة واحدة للنجدة، ستعيد رسم حدود المشهد الذي بدأ قاسيًا ومهينًا، وانتهى دافئًا وإنسانيًا. 

خرجت أمل من منزلها في قرية "صلاح الدين" بمحافظة البحيرة، تحمل في يدها القليل من النقود، ونية صافية لشراء كارت شحن وبعض الحلوى، ولم تكن تعلم أن رحلتها القصيرة ستنقلب إلى درس كبير في العدالة.

حين دخلت أحد المحال التجارية، سألت البائع عن سعر علبة لبان، فردّ عليها بصوتٍ قاسٍ، رافضًا الحديث معها باحترام، بل زاد الأمر قسوة حين ألقى النقود في وجهها، وقام بالتنمر عليها وطردها من المحل. 

كانت صدمة حقيقية، لا لمجرد الإهانة، بل لأنها جرحت مشاعر طفلة، وكسرت ثقة كانت تظنها مقدّسة في تعامل الناس.

لكن الطفلة المعجزة لم تصمت، لم تكتفِ بالبكاء، بل قررت أن تصرخ بطريقتها، فاتصلت بالنجدة، وكأنها تقول: "أنا هنا.. موجوعة ومكسورة، ومحتاجة حد يسمعني."

وبسرعة لافتة، وصلت سيارة الشرطة، لم يتأخروا ولم يترددوا، الضباط ترجلوا بهدوء، وبدلًا من مشهد التحقيقات الباردة، رأينا مشهدًا نقيًا من الحنان والأبوة والإصغاء الصادق، وسألها أحد الضباط بهدوء: "قوليلي إيه اللي يرضيكي وأنا أعملهولك؟"

هنا فقط، سمحت دموعها أن تسيل، لا من القهر، بل من شعور داخلي بأن هناك من استجاب، بأن الدولة لم تتركها وحيدة، وأن إنسانيتها ليست منقوصة.

البائع الذي كان قبل لحظات وحشاً كاسراً يصرخ في وجهها بغلظة خارج نطاق الإنسانية، وقف أمامها معتذرًا أمام الناس، وانحنى ليقبّل رأسها، كنوع من الاعتذار العلني. 

وهنا سكنت نفس الطفلة المنهارة، وجففت دموعها، وقررت عن قناعة التنازل عن البلاغ، لكنها لم تتنازل عن الكرامة، فذلك ما أكّده الضابط الذي حرر محضرًا بالواقعة، ليكون التوثيق شاهدًا على أن كرامة المواطنين – كل المواطنين – لا تُهدر في هذا الوطن.

عادت أمل إلى بيتها، لكنها لم تنم كعادتها، بل كتبت على حسابها في "فيسبوك" درساً للجميع فقالت: "شكرًا سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، شكرًا وزارة الداخلية، بجد غيرتوا حياتنا.. إحنا قادرون باختلاف.. بس مش لوحدنا."

كلمات قليلة، لكنها تختصر قصة طويلة من التحول، من الألم إلى الأمل، وقد وجدت هذه الكلمات صداها في الصفحة الرسمية للاتحاد المصري للإعاقات الذهنية، التي نشرت رداً على كلمة أمل مفادها: "في بلد بتحمي كرامة كل مواطن.. مفيش أغلى من الإحساس بالأمان."

ما حدث لم يكن مجرد استجابة سريعة من جهاز شرطة النجدة، بل تأكيد حيّ على أن عمل الشرطة لم يعد مجرد مهام أمنية، بل صار أقرب إلى مهمة إنسانية، تحفظ السلم المجتمعي، وتصون الحقوق، وتعزز شعور الناس بالأمان في تفاصيل يومهم البسيطة.

شرطة النجدة اليوم لم تكن "مستجيبة" فقط، بل كانت "مُبادرة" في أن تمنح طفلة صغيرة معنى جديدًا للأمان. 

والشرطة المصرية، التي تبذل جهدًا هائلًا في التصدي للجريمة والإرهاب والتحديات الأمنية، تُثبت مرة بعد أخرى أنها الأقرب إلى الناس حين يحتاجون إليها، وهذا هو الوجه الحقيقي للمؤسسة الشرطية التي تسعى إلى العدالة لا بالعقاب فقط، بل بالاحتواء أيضًا.

شكرًا لمن أعاد البسمة إلى قلب أمل، وشكرًا لشرطة النجدة التي اختارت أن تكون الحارس الصادق للكرامة قبل الأمن، وللإنسان قبل القانون.

لواء دكتور: أيمن حلمي

مدير الإعلام الأسبق بوزاة الداخلية

تم نسخ الرابط