الخميس 31 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

في زمن تزدحم فيه الشاشات بالأسماء والوجوه، يبقى الفنان لطفي لبيب حالة خاصة ومتفردة في الوجدان المصري والعربي، ليس فقط بما قدمه من أدوار متنوعة ومؤثرة، بل بشخصيته الفنية الهادئة، وموهبته التي نسجت بخيوط من الصدق، البساطة، والوطنية. واليوم، ومع تدهور حالته الصحية، تتجه الأنظار بقلق بالغ نحو فنان أعطى الكثير دون ضجيج، وآن الأوان لأن ترد له الحياة بعضًا من جميله.

ولد لطفي لبيب في 18 أغسطس عام 1947 بمحافظة بني سويف، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية، كما حصل على ليسانس الآداب في الفلسفة. امتلك رصيدًا مزدوجًا من الثقافة والفن، ومزج في مسيرته بين العمق الفكري والبراعة الأدائية، فكان فنانًا مثقفًا، وطنيًا، وملتزمًا بأخلاقيات الفن الحقيقي.

رغم أنه بدأ التمثيل في سن متأخرة نسبيًا مقارنة بكبار النجوم، إلا أن لطفي لبيب استطاع أن يحقق انتشارًا لافتًا بفضل شخصياته التي تلامس الواقع، وتعبّر عن هموم الناس ببراعة، لا تخلو من روح الدعابة الذكية. لم يكن نجمًا تقليديًا، لكنه كان “صاحب مشهد لا يُنسى”، ممثلًا تضعه في دور ثانٍ، فيترك في قلوب المشاهدين أثر البطولة الأولى.

قدّم لطفي لبيب أكثر من 300 عمل فني تنوعت بين السينما، الدراما التلفزيونية، والمسرح، من أبرزها:
• السفارة في العمارة (2005): في دور موظف السفارة خفيف الظل، أظهر قدرة عالية على تجسيد الشخصية الواقعية التي تعبر عن مزيج المصري الفهلوي المحب لوطنه.
• مرجان أحمد مرجان (2007): حيث أبدع في تقديم شخصية “عادل بيه”، المدير المتملق، في أداء ساخر لاذع، جمع بين السخرية والنقد الاجتماعي.
• العميل 1001، عائلة الحاج متولي، يوميات ونيس، وعايزة أتجوز: كلها محطات أظهرت تنوعه بين الكوميديا والدراما الاجتماعية والوطنية.
• بدون ذكر أسماء (2013): أحد أدواره الخالدة في الدراما السياسية، حيث قدّم شخصية الصحفي بشفافية ووعي وعمق، يعكس الخلفية الثقافية والسياسية له كفنان مثقف.

كما كتب كتابًا بعنوان “الكتيبة 26” وثق فيه تجربته كمجند في حرب أكتوبر 1973، ليبرهن أن انتماءه لم يكن فنيًا فقط، بل وطنيًا من الطراز الأول، إذ حمل السلاح في معركة الكرامة قبل أن يحمل الكلمة على المسرح.

وإلى جانب الفن، عُرف لطفي لبيب بمواقفه الإنسانية والوطنية المشرفة، فلم يكن من أهل التصريحات الصاخبة أو الظهور المتكرر، بل كان رجلًا صامتًا يتكلم فنًا، وينتصر لقضايا الإنسان المصري البسيط في كل ما قدمه من أدوار.

اليوم، وبعد سنوات من الإبداع والتألق، يعاني الفنان القدير من أزمة صحية ألزمته الفراش، وأجبرته على الابتعاد عن الكاميرا. ورغم توقفه القسري عن العمل، لم يتوقف جمهوره عن السؤال عنه والدعاء له، في مشهد يجسّد المعنى الحقيقي للوفاء بين الفنان والجمهور.

وهنا، يبرز السؤال الأهم: هل يليق بنا أن نترك من صنع ذاكرة فنية لأجيال كاملة، في غياهب المرض دون دعم ومساندة؟ أليس من الواجب أن تتكاتف نقابة المهن التمثيلية، وزارة الثقافة، وصناديق دعم الفنانين، لتقديم الرعاية الشاملة له ولأمثاله ممن خدموا الفن باحترام؟

لطفي لبيب ليس مجرد فنان مريض، بل هو رمز من رموز الكوميديا الواعية، والصوت الهادئ الذي صنع بهجة بلا ابتذال، وأثرى الحياة الثقافية والفنية لعقود. هو من أولئك الذين يستحقون أن نقف معهم، كما وقفوا معنا يومًا بفنهم في أوقات الضيق والفرح.

في هذا الظرف الإنساني، نرفع الصوت تضامنًا مع هذا الفنان الجميل، ونناشد كل المعنيين بألا يكون لطفي لبيب وحده في محنته. فالقلوب التي أسعدها، ما زالت تُدين له بالحب والوفاء.

سلامًا على فنان نبيل… وشفاءً عاجلًا يا من علمتنا أن الإبداع الحقيقي لا يشيخ.

 

تم نسخ الرابط