الأربعاء 30 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

في السنوات الأولى من حياة الطفل، يُعدّ تطور اللغة أحد أهم مؤشرات النمو الطبيعي. 

ولكن ما إن يتأخر الطفل في نطق كلماته الأولى، حتى يبدأ القلق في التسلل إلى نفوس الأهل، ويظهر السؤال الشائع: هل تأخر ابني في الكلام يعني أنه مصاب باضطراب طيف التوحد؟

الإجابة العلمية على هذا السؤال تبدأ أولًا بضرورة التمييز بين تأخر النطق واضطراب التوحد، فهما حالتان تختلفان جوهريًا، رغم بعض التشابه في المظاهر السطحية، مثل تأخر اللغة أو ضعف التفاعل اللفظي. غير أن التقييم الدقيق يتجاوز عدد الكلمات إلى تحليل طبيعة التواصل، ومدى التفاعل الاجتماعي، والقدرة على إقامة علاقات مع المحيط.

الطفل المتأخر لغويًا – لأسباب بيئية أو نمائية – قد لا يتحدث، لكنه يظهر رغبة واضحة في التواصل؛ ينظر في عين من يحدثه، يستخدم الإشارات، يُقلد الأصوات، ويتفاعل مع من حوله. 

في هذه الحالة، غالبًا ما يكون السبب بيئيًا مثل قلة التعرض للكلام، أو نتيجة تأخر عام في النمو، وقد يحتاج إلى تدخل بسيط أو بيئة لغوية محفّزة ليبدأ التقدّم.

أما الطفل المصاب باضطراب طيف التوحد، فإن اللغة ليست سوى جزء من المشكلة. ما يميّز التوحد هو غياب الرغبة في التواصل، ضعف الاستجابة الاجتماعية، وقلة التفاعل البصري. 

هذا الطفل قد لا يرد على اسمه، لا يُظهر مشاعر واضحة، ولا يستخدم اللغة كوسيلة حقيقية للتفاعل، حتى إن قال بعض الكلمات، فإنها تكون غالبًا تكرارية أو خالية من هدف تواصلي.

وهنا تبرز أهمية الملاحظة الدقيقة والتقييم السريري المتكامل، والاعتماد على الانطباعات أو الملاحظات السريعة قد يقود إلى تشخيص خاطئ. 

لا بد من إجراء مقابلات تفصيلية مع الأهل، وتحليل سلوك الطفل في أكثر من بيئة، مع استخدام أدوات تشخيصية علمية معتمدة، ومشاركة اختصاصيين في اللغة، والطب النفسي، وعلاج اضطرابات النمو.

وهنا يُحذر الأطباء من خطأين شائعين:

  • التسرع في تشخيص التوحد لمجرد تأخر النطق.
  • التهوين من أعراض التوحد بحجة أن الطفل "ما زال صغيرًا" أو "سيتكلم لاحقًا".

كلا الموقفين قد يُفوّت فرصة التدخل المبكر، وهو العامل الأهم في تحسين نتائج الأطفال على المدى الطويل.

المفتاح الذهبي في هذه الحالات هو التشخيص المبكر، والتدخل المهني المناسب، والوعي الأسري. فكل كلمة ينطقها الطفل – أو حتى لا ينطقها – تحمل رسالة من عالمه الداخلي. وعلينا أن ننصت لهذه الرسائل بعين العلم، وقلب الأهل، وبصيرة المهنة.

وفي الختام، يجدر التأكيد أن تأخر الكلام لا يعني بالضرورة إصابة الطفل بالتوحد، لكنه جرس إنذار يستحق الملاحظة والتقييم، لا الذعر ولا التجاهل.

د. سمر أبو الخير

استشاري أمراض التخاطب

رئيس مجلس أمناء مؤسسة سفير لذوي الهمم

تم نسخ الرابط