الأربعاء 10 سبتمبر 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

كيف يُكتب عن النقاء؟ كيف يُحاط بالكلمات من سكنت روحه الأرواح؟ أكتب الآن وخيوط الحزن تنسج غيمًا في القلب، أكتب لا لأفيك حقك — فإنك أكبر من أن تُحاط بسطور — بل لأبقي ذكراك حية على الورق كما هي خالدة في الوجدان.

يا خالي العزيز، حسن فراج، أيها الإنسان الذي إن غاب عن العين ازداد حضورًا في القلب، سلام عليك في دار الخلود... سلام على ابتسامتك الوديعة، على قلبك الكبير، على كفّك الذي كان يمسح الحزن عن الأرواح بصمت، كما لو أنك نُسجت من رحمة.

لم تكن منصبًا ولا جاهًا، كنت إنسانًا يسير على الأرض بتواضع من يعرف الله، لم تعرف الاستعلاء، ولم تتزين بالتكبر، رغم علو قدرك. كنت كبيرًا في الهيبة، وأكبر في الخُلُق.

لقد كنت ملاذًا للمنكسرين، ملجأ للقلوب الواجفة، لم تحتج إلى منبر لتقول كلمة طيبة، فقد كانت كلماتك بلسمًا، ونظرتك عزاءً، ووجودك أمنًا. لم تكن تمر بأحد إلا وتركته أخف حزنًا، وأعلى أملًا.

قالوا عنك: جابر للخواطر، وناصر للمظلوم، ورفيقٌ لكل حزين. قلتَ للمريض: سيبرأ بإذن الله، وقلتَ للجائع: ستشبع، وقلتَ للناس: ما زالت الدنيا بخير... لأنك كنت خيرها.

حين سألتُ عنك أهلنا الطيبين، أجابوني بقلوب دامعة: "اللهم ارحمه... كان سندنا، ورفيق دربنا، ما عرفنا مثله في طيبته وحنوه"، وقالوا إنك كنت فينا كل الأدوار: أبًا حين يغيب الأب، وأخًا حين يعزّ السند، وابنًا وفيًّا يسبق الكل إلى برّهم.

أما زملاؤك، فكانت دموعهم أبلغ من الكلمات. قالوا: "كان حكيمًا في قضائه، أمينًا في سِرّه، ناصحًا في قوله، صاحب ابتسامة لا تغيب، ونفسٍ لا تعرف الحقد، ولا تُعاند الصدق".

قالوا: "كان قيمةً وقامة... وكان القضاءُ يبتسم حين يدخل القاعة".

ولم ينسك أهل بلدتنا، لا زالوا يرددون اسمك إذا ضاق بهم الحال، ويذكرونك حين يُحسن أحدهم إلى أحد. قلتَ لهم بكُل سلوكك: "افعلوا الخير كما كنت أفعل"، فصرت قدوة تُروى، وذكرى لا تنطفئ.

أما يوم رحيلك... فذاك كان يومًا تكسّرت فيه القلوب، واكفهرّت فيه الوجوه، وتيبّست الحروف في الحناجر. كان يومًا من أيام البكاء العاجز عن وصفك، لأنك ببساطة لا تُوصف.

رسالتي إليك يا خالي:

لقد رحلت عن الدنيا جسدًا، لكنك بقيت فينا أثرًا لا يزول، ونورًا لا يخبو. لقد تركت سيرةً كأنها عطر لا ينفد، كأنك زهرة فاحت رائحتها في كل قلب عرفك، وسكنت فيه.

وأنا؟ أنا أفتخر بك يا خالي، كما يُفتخر بالذهب الخالص، لا لأنك عزيز عليّ فحسب، بل لأنك رجل اجتمع الناس على محبتك، لا خوفًا ولا طمعًا، بل عرفانًا بنُبلك وإنسانيتك.

اللهم ارحمه رحمةً واسعة، تليق بصفاء قلبه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجزه عنا خير الجزاء. اللهم اجعل له نورًا لا ينقطع، وسكينةً لا تزول، ومكانًا في أعلى الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

سلام على روحك يا خالي... سلام عليك ما دام في القلب نبض.

تم نسخ الرابط