الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

لا تنهض الأوطان بالشعارات، ولا تُصان الهويات بالكلمات، إنما تحفظها العقيدة ويصقلها الوعي، ويثبتها الإيمان. وفي زمن التفكك الثقافي، ومحاولات التغريب، والصراعات الفكرية، يصبح الحديث عن الهوية الوطنية من منظور ديني ضرورة شرعية، لا رفاهية نظرية.
إن الهوية الوطنية في الإسلام ليست لون جواز سفر، ولا حروف بطاقة رقم قومي، بل هي شعور بالانتماء والولاء، وعهد غليظ بين الإنسان وأرضه التي نشأ فيها وترعرع بين ترابها، وهي انعكاس لمعنى “البلد” الذي أقسم الله به في كتابه الكريم:
“لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ” [البلد: 1-2].
فما أقسم الله بشيء إلا لعِظَم شأنه، فكيف إذا كان الوطن، وكان البلد هو مكة التي اختارها الله مهبطًا للوحي، ومنطلقًا لرسالة التوحيد.

الهوية الوطنية في الإسلام تعني الولاء والانتماء والخدمة
لقد علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون حب الوطن جزءًا من الإيمان، حين وقف مودعًا مكة وقال:
“والله إنكِ لأحب أرض الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منكِ ما خرجت” [الترمذي].
هذا هو رسول الله، وهو أحب الخلق إلى الله، يُعلّمنا أن فراق الوطن ليس أمرًا هيّنًا، وأن حب البلاد ليس شعورًا دنيويًا، بل جزء من السُّنة النبوية.
وفي لحظة دقيقة من التاريخ، وحين فُرضت الهجرة على المسلمين، لم تكن الهجرة هروبًا من الوطن، بل كانت دفاعًا عن العقيدة مع الحنين الشديد إلى الديار. حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه قائلًا:
“اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد” [البخاري].
ليزرع في قلوب أصحابه حب الانتماء لكل أرضٍ تحتضنهم، طالما أظلتهم بالعدل وأكرمتهم بالإيمان.

الهوية الوطنية لا تُعارض الهوية الإسلامية بل تتكامل معها
بعض المغالطين يصورون الانتماء للوطن كأنه تعارض مع الانتماء للدين، وهي مغالطة خطيرة، لأن الإسلام ربط بين الإيمان والأمان، وبين الدين والدولة، وبين العقيدة والعمران. قال تعالى:
“هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” [هود: 61].
أي استخلفكم في الأرض لتعمروها، وتعني في زماننا بناء الوطن، والحرص على وحدته، والدفاع عن أرضه، ومؤسساته، وقيمه.
والولاء للوطن لا يُناقض عقيدة الولاء والبراء، بل يؤكدها عندما يكون الوطن قائمًا على الحق، أو يحتضن أهله المؤمنين، ويكفل لهم الحرية والكرامة. أما ترك الوطن لعبث المفسدين، أو التفريط في أرضه أو هويته أو سيادته، فليس من الدين في شيء.

الهوية الوطنية مسؤولية تربوية ودعوية
إن مهمة الحفاظ على الهوية الوطنية ليست مهمة السياسيين وحدهم، بل هي مهمة الدعاة، والمعلمين، والمربين، ووسائل الإعلام، وكل صاحب كلمة وضمير. إن غرس حب الوطن في قلوب الأبناء عبادة، وتحذيرهم من دعاة التفرقة ومروّجي الفتن جهاد.
ومن هنا، يجب أن تُعاد قراءة الخطاب الديني ليرسّخ في النفوس أن الدفاع عن الوطن واجب شرعي، والحرص على وحدته أمانة، والعمل من أجل رفعته عبادة.
وفي ختام هذا المقال، أقولها صادقة:
الوطن ليس مجرد حدود على خريطة، بل هو كيانٌ يسكننا أكثر مما نسكنه، وهوية نؤمن بها، ونحملها في قلوبنا، وندافع عنها بديننا، وعقولنا، وأقلامنا، وسواعدنا.
د. أماني الليثي
داعية إسلامية

تم نسخ الرابط