الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
أحمد الشحري
أحمد الشحري

في عصر تزدحم فيه الحياة بالصخب الرقمي واللهاث وراء تفاصيل الدنيا، يبقى يوم الجمعة بمثابة نفحة ربانية، وفرصة إيمانية تتجدّد كل أسبوع، ليعيد المسلم فيها صلته بخالقه، ويشحذ روحه، ويصحح بوصلته نحو الآخرة. 

إن يوم الجمعة ليس مجرد عطلة أسبوعية، بل هو يوم من أعظم أيام الله، جعله الله عيدًا للأمة الإسلامية، وميّزه بفضائل عظيمة وكنوز ثمينة، يغفل عنها الكثير، رغم ما فيها من خيرٍ وبركةٍ وأجرٍ عظيم.

لقد وردت في السنّة النبوية أحاديث صحيحة تحث على اغتنام هذا اليوم المبارك، ومن أعظم ما قيل عنه ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة". 

وفي هذا اليوم تتجلّى خمس فرص ربانية، هي بمثابة كنوز روحية لمن أراد أن يطهر قلبه ويثقل ميزانه، ويمسح عن نفسه آثار الأسبوع بكل ما فيه من تقصير وذنوب.

أول هذه الكنوز، صلاة الفجر في جماعة، وهي أعظم صلاة في أفضل يوم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة" (صحيح الجامع 1119). 

فصلاة الفجر في هذا اليوم، ليست فقط بداية للنهار، بل إعلان ولاء لله في وقت يغفل فيه كثيرون، ومفتاح لأبواب البركة والطمأنينة في القلب.

أما الكنز الثاني، فهو الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا اليوم تتضاعف البركات، وتُعرض الصلوات على رسول الله، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ" (رواه أبو داود وصححه الألباني). إنها فرصة لتجديد الصلة بمن بعثه الله رحمةً للعالمين، وللتعبير عن الحب والاتباع الصادق.

وتأتي قراءة سورة الكهف ثالثًا، إذ فيها نورٌ يمتد أسبوعًا كاملاً، يثقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين" (صحيح الجامع 6470). فهي لا تضيء البصيرة فقط، بل تحمي من فتن الزمان، وتُرسّخ الثبات في زمن التغيّر والاضطراب.

أما الكنز الرابع فهو الاغتسال، ولبس أحسن الثياب، والتبكير للمسجد، والإنصات للخطبة، وهي آداب عظيمة تعلي من شأن الجمعة. 

وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من يُحسن الاستعداد لها بأن له بكل خطوة أجر سنة صيامًا وقيامًا. 

قال صلى الله عليه وسلم: "من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها" (رواه أبو داود وصححه الألباني). 

إنها عبادة لا تتوقف عند الشعائر، بل تمتد إلى التهيؤ والاستعداد الحسي والمعنوي، في مشهد يليق بعظمة اللقاء الأسبوعي مع الله.

ويُتوَّج هذا اليوم بـ الكنز الخامس: الدعاء، حيث فيه ساعة لا يُرد فيها الدعاء، خاصة في آخر ساعة من العصر. 

قال صلى الله عليه وسلم: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر" (رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني). 

إنها فرصة لا تقدر بثمن، لمن أرهقته الهموم أو حملته الأقدار ما لا طاقة له به، أن يرفع يديه إلى السماء ويدعو من لا يخيب من دعاه.

في زمن تغيب فيه الروح وسط زحام الحياة اليومية، يصبح التذكير بهذه الكنوز ضرورة تربوية وإيمانية، تُعيد تشكيل العلاقة بين المسلم ويوم الجمعة، ليس كعادة أسبوعية بل كمحطة شحن روحية حقيقية. 

إن اغتنام هذه الأعمال لا يحتاج إلى وقت طويل، وإنما إلى نية صادقة ويقظة قلب.

وها هو يوم الجمعة يعود علينا كل أسبوع، يحمل بين طياته فرصًا عظيمة، وأبوابًا مفتوحة للغفران والبركة والسكينة. 

فهل من مُغتنم لكنوزٍ لا تُشترى بالمال، ولا تُعوض إن فاتت؟ وهل نُربّي أبناءنا وناشئتنا على أن يكون هذا اليوم موعدًا مع الطهارة القلبية والارتقاء القيمي لا فقط مع العطلات والتسوق والترفيه؟

تم نسخ الرابط