الجمعة 25 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

وسط زحام التطبيقات والمنصات الرقمية، صعد نجم "تيك توك" بسرعة لافتة، ليتحول من مجرد منصة ترفيهية إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية واقتصادية، تتغلغل في تفاصيل حياة الشباب والنشء بشكل يومي. لم تعد دقائق الفيديو القصيرة مجرد وسيلة للتسلية، بل باتت مساحة للتعبير، ومصدرًا للشهرة، وميدانًا للمؤثرين، بل وساحة لتشكيل الاتجاهات والسلوكيات. 

وبينما تحتفل بعض الفئات بقدرة المنصة على خلق فرص جديدة، وتحفيز الإبداع، يُحذر مختصون من آثارها النفسية والاجتماعية والثقافية، خاصة في ظل غياب الرقابة الفاعلة وسرعة انتشار المحتوى دون مرجعية.

خلال الأعوام الأخيرة، شهدت منصة "تيك توك" نموًا مذهلًا، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد مستخدميها تجاوز 1.6 مليار مستخدم عالميًا حتى منتصف عام 2025، بينهم ما يزيد عن 70% من فئة الشباب والمراهقين. 

وفي المنطقة العربية، تتصدر مصر والسعودية والإمارات قوائم الدول الأعلى من حيث الاستخدام، حيث يقضي المستخدمون في المتوسط أكثر من 90 دقيقة يوميًا على المنصة. 

كيف تكتشف أفضل وقت للنشر على تيك توك TikTok - تجارب عملية

هذه الأرقام تكشف بوضوح حجم التأثير، ومدى التغلغل الذي أحدثته المنصة في النسيج المجتمعي.

اللافت في تجربة "تيك توك" أنه لم يقتصر على جذب المراهقين فقط، بل امتد ليضم الأطفال، بل وحتى كبار السن. 

المنصة ألغت الفروق العمرية، وفتحت المجال أمام الجميع للتعبير والمشاركة، وهو ما أفرز كمًا هائلًا من المحتوى، تراوح بين الإبداع والإسفاف، بين التثقيف والتضليل. وهنا تتجلى إشكالية المنصة: غياب المعايير الصارمة في تصنيف المحتوى، واعتمادها على خوارزميات تُفضل الإثارة على الجودة، مما يُنتج ظواهر مثل "التريندات الزائفة" والمحتوى السطحي.

لكن لا يمكن إنكار ما أتاحته "تيك توك" من فرص للشباب في العالم العربي. فقد أصبح كثيرون قادرين على تحقيق دخل مادي من المنصة، من خلال البث المباشر أو الترويج للمنتجات أو توقيع عقود مع علامات تجارية. كما تحولت المنصة إلى أداة قوية للتأثير المجتمعي، حيث استطاع بعض المستخدمين تسليط الضوء على قضايا إنسانية أو مجتمعية، ونجحوا في تحريك الرأي العام أحيانًا، أو جمع تبرعات لحالات إنسانية.

من الناحية النفسية، رصدت دراسات عديدة علاقة المنصة باضطرابات مثل القلق والاكتئاب وتدني احترام الذات، خاصة لدى الفتيات في سن المراهقة. كما حذر خبراء من ظاهرة "إدمان التيك توك"، والتي أصبحت نمطًا يوميًا عند بعض الشباب، يؤثر على قدراتهم الدراسية والاجتماعية.

أما أخطر ما في المنصة، فهو التحديات الخطرة والمحتوى العنيف أو الجنسي الذي قد يتسرب للأطفال والمراهقين، رغم سياسات الاستخدام المعلنة.

السلطات في عدة دول بدأت تدرك خطورة التوسع غير المنضبط للمنصة، حيث لجأت بعض الحكومات إلى فرض قيود أو حظر مؤقت. 

في المقابل، تسعى "تيك توك" لتحسين صورتها عبر تعزيز أدوات الرقابة الأبوية، وإطلاق حملات للتوعية، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد المحتوى الضار. لكنها تظل جهودًا جزئية، ما دامت المنصة تضع أولويتها القصوى في استدامة التفاعل، وليس حماية المستخدم.

في ضوء كل ما سبق، تبقى منصة "تيك توك" سلاحًا ذا حدين، بين الإبداع والانفلات، وبين التمكين والتهديد. 

فبينما تُفتح أمام الشباب نوافذ جديدة للظهور والتأثير، تتسلل في الوقت ذاته موجات من العنف الرمزي والتفاهة والتقليد الأعمى، دون وعي أو رقابة. وهنا تبرز الحاجة إلى دور حاسم من الأسرة والمدرسة والإعلام، لبناء وعي رقمي حقيقي، يحصن الأجيال من السقوط في فخاخ الشهرة المؤقتة، ويعيد التوازن في معركة التأثير التي باتت تدور على الشاشات الصغيرة.

بسمة إبراهيم

تم نسخ الرابط