الثلاثاء 22 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

لاحظت وجود عدة آفات أخلاقية في مجال التحكيم العلمي للبحوث تُذهب كماله، وقد حرص علماء أمتنا على ذكر الآفات الأخلاقية في المجالات المختلفة؛ ليحترس منها الناس ولا يقعوا فيها، مثل آفات طالب العلم، ومنها: التصدر للتدريس قبل التأهل، الرياء، التعصب للأقوال والأشخاص، الخلاف، الكِبر، عدم العمل بالعلم، كتمه.

ولم يتطرق أحد-حسب علمي- لذكر الآفات الأخلاقية في التحكيم العلمي للأبحاث رغم معاناة كثير من الباحثين منها، وسأذكر أهم ما لمسته منها أثناء حضور المناقشات العلمية، ومطالعة تقارير التحكيم المختلفة، والأحاديث مع الزملاء، ولا أدعي الحصر، بل هي ما وقفت عليه.

أولا:إعادة المناقش أو المحكِّم قولبة مباحث البحث حسب ذائقته هو، حتى وإن كان ترتيب الباحث منطقيًّا ولائقًا، كأن يقدم الحديث عن وفاة المترجَم له قبل آثاره، أو يقدمه عليها، وكلاهما سائغ وله وجه منطقي، وكذلك ترتيب معالجة أفكار البحث من العام إلى الخاص أو من الخاص إلى العام، ومن الحديث إلى القديم أو من القديم إلى الحديث، وكلاهما جائز له وجه، فيغيِّر المحكِّم ذلك إلى عكسه. 

ثانيًا: تغيير ما فيه خلاف فلسفي مثل هل نكتب "تحقيق ودراسة" باعتبار أن التحقيق سبق الدراسة إجرائيًّا والدراسة إنما بُنيت على التحقيق، أم نكتب "دراسة وتحقيق" باعتبار أن الدراسة أتت قبل التحقيق عند الطباعة، وهي قضية فلسفية، وكلا وجهتي النظر فيها سائغتان، فلا ينكر عليهما ولا يعدل عليهما طالما لهما وجه، وكذلك ضبطهما؛ هل نقول (تحقيقًا ودراسةً) بالنصب على الحال، أم نرفعهما على الخبرية، وكلاهما سائغ. 

ثالثًا: المنهج في الضبط (في غير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والآثار، والشعر)، فهناك من يضبط ما يُشكل فقط، وهناك من يضبط البحث كله، وهناك من يتوسط، فمِن غير السائغ أن يزيد المحكِّم في ضبط المقتصد، أو أن يُنقص من ضبط المتوسع، طالما كان صحيحًا.

رابعًا: تغيير منهج الباحث في التوثيق، فهناك باحث يضع رقم التوثيق على العنوان الجانبي، ويذكر مصادره التي اعتمد عليها فيه، ثم يغزل من معلومات هذه الكتب مجتمعة ومن رأيه وتحليله بلفظه هو، وهناك من يوثق نقلًا نقلًا ويربط بينهم بأدوات الربط وبتحليله، وكلاهما سائغ وإن كان الأول أعلى -عندي-، فلا يجوز للمحكم إعادة قولبة ذلك.

خامسًا: التوسع في مصادر تخريج الأحاديث والشعر والمصطلحات والكلمات والتعليقات، أو الاقتصار على المهم والأقدم وذي الإضافة، وكلاهما مدرستان سائغتان، وسميت مدرسة التوسع في ذكر مصادر تخريج الشعر خاصةً بالمدرسة الرمضانية؛ نسبة إلى الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله، وتبعه فيها صديقه الدكتور صلاح الدين الهادي محقق ديوان الشَّمَّاخ بن ضِرار، حفظه الله.

سادسًا: وأشد ما وجدت من هذه الآفات التعصب ضد البحث حتى وإن كانت نتائجه سليمة وإجراءاته دقيقة؛ وذلك لأن البحث ينقد أفكار باحث آخر قريب من المحكِّم أو بلديّه أو صديقه، وربما لعدم القدرة على استيعاب فكرة البحث العميقة حق فهمها، وربما حسدًا لنتائج البحث وتميزه، وقد شاهدت مواقف من ذلك.

وأظن أن أحكام فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جديرة بأن تطبق في هذا المضمار، ومنها: لا يُنكَر في المُختلف فيه، ولا يُنكر إلا في الخطأ الظاهر. والله أعلم.

د. محمد علي عطا

[email protected]

تم نسخ الرابط