الثلاثاء 22 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

نتيجة الثانوية العامة في مصر لم تعد مجرد كشف بدرجات النجاح والرسوب، بل تحوّلت إلى لحظة حاسمة تشبه حكمًا بالإعدام أو الإفراج المشروط. 

ينتظرها الملايين كل عام بقلق بالغ، لكن الفرحة – إن وجدت – لا تدوم كثيرًا، إذ سرعان ما يخيم شبح "مكتب التنسيق" على البيوت، حاملاً معه رعبًا جديدًا يتجاوز حدود المنطق والعدالة.

وزارة التربية والتعليم أعلنت هذا العام عن ارتفاع نسبة النجاح في الثانوية العامة إلى 78.4%، مقارنةً بـ 74.5% العام الماضي، وتصدّر المشهد عدد من أوائل الشعبتين العلمية والأدبية، وأكدت الوزارة أن الامتحانات جاءت في مستوى الطالب المتوسط. 

لكنّ خلف هذه الأرقام تتوارى حقائق مؤلمة، أبرزها أن المجموع النهائي لا يزال هو الفيصل الوحيد في تقرير مصير الطلاب الجامعي، بعيدًا عن القدرات الحقيقية أو ميول الطلاب.

التنسيق الجامعي... نظام بلا روح ولا رؤية

يعتمد نظام التنسيق الجامعي في مصر على مبدأ المجموع التراكمي في نتيجة الثانوية العامة، في تجاهل شبه تام لاختلاف القدرات والمهارات الفردية، فمن غير المنطقي أن يتساوى طالب مبدع في الفنون أو الصحافة مع آخر متفوق في الكيمياء والفيزياء، حين يتقدمان للالتحاق بكلية الإعلام أو الفنون التطبيقية. 

وهكذا تُفرض كليات على الطلاب لا تتناسب مع طموحاتهم، بل تقودهم إلى مسارات أكاديمية ووظيفية لا يريدونها.

هذا النظام العقيم – الذي لم يشهد أي تطوير جوهري منذ عقود – ينتج فجوة ضخمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، ويكرّس ثقافة الحفظ والتلقين، بدلًا من التفكير والتحليل والإبداع.

ولا شك أن العدالة في نظام التنسيق غائبة بشكل كامل وذلك لعدة أسباب لا يمكن تجاهلها أو السكوت عليها ومنها:

  • الاعتماد الحصري على الدرجات، مما يُقصي طلابًا موهوبين فقط لأنهم لم يتفوقوا في مواد لا علاقة لها بتخصصاتهم المستقبلية.
  • انعدام المرونة، حيث لا يُسمح للجامعات باختيار طلابها بناءً على معايير متقدمة مثل المقابلات الشخصية أو اختبارات القبول النوعية.
  • التجاهل التام لسوق العمل، إذ لا يرتبط التنسيق بأي خطط قومية لإعادة توزيع الطلاب على التخصصات وفقًا لحاجات الدولة.
  • إهمال التعليم الفني والتطبيقي، في مقابل تعظيم التعليم الأكاديمي التقليدي، مما ينتج عنه تخمة في بعض التخصصات وعجز في أخرى.

رؤية للإصلاح... من التنسيق إلى التوجيه الحقيقي

إن إصلاح التعليم في مصر يبدأ بإعادة النظر جذريًا في فلسفة التنسيق الجامعي، وألا يكون المحدد الأول هو نتيجة الثانوية العامة، وأن تفتح وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم الباب أمام النقاش المجتمعي وقبول المقترحات ومن بينها:

  • إلغاء الاعتماد الكلي على المجموع النهائي واستبداله باختبارات قدرات مركزية في كل تخصص.
  • منح الجامعات صلاحيات أكبر في اختيار طلابها، كما هو الحال في أغلب الأنظمة الجامعية الحديثة.
  • توسيع مسارات التعليم الفني والتقني ودمجها ضمن التنسيق الجامعي بمنهجية واضحة ومحفّزة.
  • ربط سياسات التنسيق بحاجة الدولة وسوق العمل، بحيث يُعاد توزيع الطلاب وفقًا لأولويات وطنية واضحة.
  • إدخال نظام التوجيه والإرشاد الجامعي المبكر، بدءًا من المرحلة الإعدادية، لضمان وعي الطالب بخياراته ومهاراته.

إن نتيجة الثانوية العامة ليست نهاية الطريق، لكن نظام التنسيق الجامعي يحوّلها إلى سجن رقمي يتحكم في أحلام الشباب. 

لقد آن الأوان أن تتعامل الدولة مع هذا الملف باعتباره أولوية وطنية، لأن العدالة التعليمية لا تعني فقط دخول الجامعة، بل تعني أن يدخل كل طالب الجامعة التي تناسبه، ويخرج منها مواطنًا منتجًا قادرًا على خدمة مجتمعه، فالتعليم ليس رُعبًا موسميًا ولا سباق درجات، بل هو طريق الحياة.

د. حماد الرمحي

تم نسخ الرابط