الإثنين 21 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

منذ الإعلان عن بدء تطبيق البكالوريا المصرية (EgyBac)، تصاعد الجدل حول مستقبل هذه التجربة، التي تهدف إلى استبدال الثانوية العامة التقليدية بنظام أكثر حداثة وشمولية. 

وبينما احتفى البعض بهذه النقلة النوعية بوصفها بوابة إلى التعليم العالمي، حذر آخرون من المخاطر الكامنة خلفها، سواء على مستوى تكافؤ الفرص أو الانفصال التدريجي بين التعليم وسوق العمل. 

فهل نحن بصدد تطوير حقيقي أم إعادة إنتاج لمشكلات قديمة في ثوب حديث؟

في خضم الأزمات المتراكمة التي تحاصر التعليم المصري، من تكدس الفصول إلى ضعف البنية التحتية وتدني أجور المعلمين، جاءت فكرة "البكالوريا المصرية" لتكون بمثابة طوق نجاة من نظام الثانوية العامة القائم على الحفظ والتلقين، والذي لطالما تعرض لانتقادات لاذعة من الخبراء والطلاب وأولياء الأمور. 

لكن السؤال الأهم: هل تم إعداد الأرضية الحقيقية لتطبيق هذا النظام؟ وهل يعكس هذا التطوير رؤية استراتيجية أم مجرد اجتهاد مؤقت؟

أرقام وحقائق... ما الذي نواجهه؟

يبلغ عدد طلاب المرحلة الثانوية في مصر ما يزيد عن 2.5 مليون طالب وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2024، بينما يبلغ عدد طلاب المرحلة الإعدادية نحو 4.3 مليون، أي أن عدد المتقدمين سنويًا للالتحاق بالثانوية يتراوح بين 700 و800 ألف طالب. 

ويُتوقع أن يطبق نظام البكالوريا تدريجيًا على ما لا يقل عن 100 ألف طالب سنويًا خلال أول خمس سنوات.

ومن المقرر أن يبدأ تنفيذ النظام فعليًا في 50 مدرسة حكومية خلال عام 2025، على أن يصل إلى 400 مدرسة بحلول عام 2030، وفقًا لما أعلنه وزير التربية والتعليم، وتبلغ تكلفة تدريب المعلمين والتجهيزات التقنية والبنية التحتية في المرحلة الأولى ما يقرب من 5 مليارات جنيه.

مميزات البكالوريا المصرية... نقلة في المحتوى والأداء

يُحسب لهذا النظام أنه يعتمد على فلسفة "التعليم من أجل الفهم"، وليس التلقين، ويركز على التفكير النقدي، والعمل الجماعي، وتعدد مصادر المعرفة، وتكامل التخصصات.

كما أنه يتيح للطالب اختيار المواد التي يدرسها تبعًا لميوله الأكاديمية، وهي ميزة كانت غائبة في النظام التقليدي الذي يقسم الطلاب إلى "علمي وأدبي" دون مرونة حقيقية.

وتسعى الدولة من خلال "EgyBac" إلى تخريج طالب يستطيع الالتحاق بالجامعات الدولية دون الحاجة إلى امتحانات معادلة، إذ ستحمل الشهادة اعتمادًا دوليًا مماثلاً لنظام البكالوريا المعتمد في أكثر من 140 دولة حول العالم. 

كما أنه يُمكن أن يخفف الضغط النفسي عن الطلاب، حيث يتم تقييمهم طوال العام من خلال مشاريع وأبحاث وتكليفات تطبيقية.

العيوب والمخاطر... هل نحن مستعدون لنظام البكالوريا؟

رغم هذه المميزات، يثير النظام الجديد العديد من المخاوف. فهل البيئة التعليمية الحالية قادرة على استيعاب هذا التحول الجذري؟ هل لدينا معلمون مؤهلون لتدريس البكالوريا وفق معايير عالمية؟ وأين تكافؤ الفرص في ظل التفاوت الكبير بين مدارس العاصمة والمدارس الريفية أو الفقيرة في الصعيد والدلتا؟

أحد أخطر التحديات يتمثل في غياب البنية التحتية التقنية، فنظام البكالوريا يتطلب قاعات مجهزة وشبكات إنترنت قوية ومنصات تعليمية تفاعلية، وهي أمور لا تتوفر سوى في نسبة ضئيلة من المدارس الحكومية، بينما ما يقرب من 40% من مدارس مصر ما زالت تعاني من عجز في المقاعد أو الفصول، وفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

كما أن اعتماد النظام على لغة أجنبية ثانية (غالبًا الإنجليزية أو الفرنسية) كوسيلة للتدريس قد يفتح الباب لمشكلة جديدة من عدم المساواة، إذ من المرجح أن يستفيد منه أبناء الطبقات الميسورة الذين تلقوا تعليمهم الأساسي في مدارس خاصة أو لغات، بينما قد يعاني طلاب المدارس الحكومية من حاجز لغوي وثقافي.

أما سوق العمل المصري، فالسؤال الأكبر يظل معلقًا: هل سيواكب البكالوريا المصرية ويعترف بمخرجاتها؟ وهل لدى الجامعات الحكومية والخاصة جاهزية فعلية لاستقبال هذه النوعية الجديدة من الطلاب، أم سيكون مصيرهم الاغتراب الأكاديمي؟

نظرة للمستقبل... هل البكالوريا بداية إصلاح أم فصل جديد من الأزمة؟

لا شك أن البكالوريا المصرية تحمل في جوهرها نوايا إصلاحية حقيقية، لكنها تظل خطوة ناقصة إن لم تُبْنَ على خطة وطنية شاملة لإصلاح التعليم من القاعدة إلى القمة.

فالنظام ليس مجرد إطار مناهج، بل بيئة متكاملة تبدأ من تدريب المعلمين، ومرورًا بإعداد المناهج، وانتهاءً بالربط الوثيق بين التعليم وسوق العمل.

إن نجاح "EgyBac" مشروط بتحقيق العدالة التعليمية، وضمان وصول المعلومة والتقنيات إلى كل طالب دون تمييز، وربط الشهادة الجديدة بالاقتصاد الوطني، إذ لا معنى لتخريج دفعات تفكر بطريقة دولية بينما سوق العمل المحلي يفتقر للوظائف اللائقة ويعاني من التشبع المهني.

إن البكالوريا المصرية مشروع طموح بلا شك، لكنه يقف على حافة الخطر ما لم تصاحبه بنية تحتية قوية، وإرادة سياسية حقيقية، وتمويل مستدام، وإشراك للمجتمع في التخطيط والتنفيذ. هو طريق طويل ومعقد، لكن إذا أُحسن التخطيط له، يمكن أن يكون بوابة مصر لعصر تعليمي جديد.

بسمة إبراهيم

تم نسخ الرابط