الأربعاء 23 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

يغرّد الطاووس خارج السرب، متباهيًا بريشه الزاهي، مزهوًّا بقوته وذكائه الذي يعتقد أن الله أنعم به عليه دون سواه. يتحدث فيُسمع، ويأمر فيُطاع، معتقدًا أنه وُلد ليحكم، وسيطر على العالم بلا منازع، ينشر الفساد، ويهلك العباد، ويزعم أنه القادر القدير على جلب الدمار لمن يعارضه أو يعصيه.

ذلك هو دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سابقًا، والذي تابعته شاشات العالم وهو يتعمّد إهانة عدد من القادة الأفارقة أمام الكاميرات، في رسالة مباشرة إلى شعوبهم، كما فعل مسبقًا مع بعض القادة العرب الذين التقاهم بتعالٍ واستخفاف.

ترامب لم يتعامل مع هؤلاء القادة كزملاء في المشهد السياسي، بل خاطبهم كما لو كانوا تلاميذ فاشلين في حجرة صفّه. جمع رؤساء خمس دول أفريقية، هي موريتانيا، السنغال، غينيا بيساو، الجابون، وليبيريا، في جلسة واحدة، وطلب من كل منهم، بعنجهية معروفة، أن يذكر فقط اسم بلده دون الخوض في مشكلات شعوبهم، قائلًا بوضوح: لن أقدم لكم شيئًا

 أنا آخذ فقط ولا أعطي، وكأن المقابل المطلوب هو أغلى ما يحرص عليه الحكام: البقاء في كراسي الحكم.

مشهد الإهانة لم يقف عند هذا الحد، فقد التُقطت لهم صور تذكارية، وقفوا فيها خلفه، بينما جلس هو وحده على كرسي المكتب البيضاوي، في مشهد أقرب إلى موظفين ينتظرون تعليمات رئيس مجلس الإدارة.

كل ذلك، رغم أن الدعوة لهؤلاء الرؤساء كانت رسميّة، لأن بلادهم تملك ثروات طبيعية ومعادن نادرة تحتاجها الولايات المتحدة بشدة، ومع ذلك، لم يمنع ذلك ترامب من ممارسة غطرسته المعتادة.

الصحفي السوداني عبد الني شاهين كتب في مقاله بعنوان "وقاحة ترامب"، داعيًا رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إلى رفض دعوة ترامب لزيارة واشنطن، كما فعل قادة الجزائر ومصر وبوركينا فاسو.

على صعيد الخليج، شملت زيارات ترامب كلًّا من قطر والإمارات والسعودية، حيث تمكّن خلال تلك الجولات من جمع ما يقرب من خمسة تريليونات دولار، قبل أن يكتفي بتلك "النفحة"، ليُظهر للعالم مدى نفوذه وتأثيره على حلفائه، على أن تتوالى الزيارات لاحقًا.

لكن خيبة الأمل كانت قاسية، لا سيما في الإمارات، التي فتحت له أبوابها ووعدته باستثمارات ضخمة، إلا أنه نكث كل وعوده. فبعد أن حصل على ما أراد، تنكّر للاتفاقات، ورفضت واشنطن تسليم الإمارات مقاتلات "إف-35"، بحجّة الحفاظ على التفوّق العسكري لإسرائيل، وهنا لجأت الإمارات، في سرية تامة، إلى الصين للحصول على مقاتلات "جي-20" كبديل.

أما السعودية، فقد كشفت تقارير البنك الدولي أن ديونها وصلت إلى تريليون ونصف التريليون ريال، وهو الأعلى في تاريخ المملكة، مشيرةً إلى تعثرها في سداد أقساط الديون خلال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب الارتفاع الكبير في حجم الإنفاق مقارنة بالإيرادات.

في المقابل، كشف أمير قطر عقب زيارة ترامب عن مقترح أمريكي بتوفير "حماية شاملة" لبلاده ضد أي هجوم إيراني، مقابل دفع ثلاثة مليارات دولار، وهو ما لم يحظَ باهتمام ترامب، لأن "المال دون مقابل" هو فلسفة إدارته في المنطقة.

وعلى الجانب السياسي، تبيّن لاحقًا أن ترامب لم يفِ بأيّ من وعوده لدول الخليج، بل كانت بلاده أول من استخدم "الفيتو" لوقف أي تحرّك دولي لوقف الحرب على غزة، وأعلنت بوضوح دعمها لحق إسرائيل في "إبادة" الشعب الفلسطيني.

أما في أفريقيا، فقد أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا اعتراضه الصريح على ما أسماه "صفقات الإذلال"، قائلًا لترامب: "أنا لست للبيع. لن أقدّم ملايين الدولارات لأكسب رضا أحد، ولن أبيع وطني كما يفعل آخرون مقابل ولاء زائف أو نفوذ مؤقت".

وفي البرازيل، خاطب الرئيس البرازيلي سلفًا ترامب قائلًا: "لقد تم انتخابك رئيسًا لأمريكا، لا إمبراطورًا للعالم. لن أستقبل تعليمات منك".

ويبقى السؤال الملح: هل يتّعظ حكام العرب؟ وهل يدركون أن العزّة لله وحده، وأن الحامي والمعطي والمانع هو الله سبحانه وتعالى، وأن من طلب العزّة من دون الله أذلّه الله؟

مجدي صادق

تم نسخ الرابط