داخل قلب العاصمه، حيث تختلط أصوات المدينة بضجيج الحياة، تقف حديقة الحيوان بالجيزة كشاهدة على زمن مضى، تحكي بجدرانها العتيقة، وأقفاصها الصامتة، عن أيام كانت فيها بهجة الأسر المصرية، وفسحة العشاق، وملاذًا للمصورين والفنانين.
لم تكن مجرد مكان لرؤية الحيوانات، بل كانت تجربة كاملة تنبض بالحياة والدهشة.
في شوارعها المظللة بأشجار الجازورينا العملاقة، كانت خطوات الأطفال تسبق ضحكاتهم، وتمسك الأمهات بأيديهم خشية أن يضيعوا في زحام الفرح، باعة الحلوى، وصوت القردة، وهمسات الزوار على الكوبري المعلق… كل تفصيلة كانت تصنع ذاكرة لا تُنسى، لكنها اليوم لم تعد كما كانت.
فبعد أكثر من 130 عامًا، دخلت الحديقة في سبات طويل، الأشجار تئن من قلة العناية، الحيوانات شاخت أو رحلت، والكراسي المهشمة تحكي عن زوار مرّوا ثم انصرفوا… وكأن الزمان توقف فيها، ينتظر من يوقظه.
الزائرون يعودون اليوم ليجدوا الحديقة قد خضعت لتجديد شامل، وسط آمال بالعودة إلى سابق عهدها، وحديث لا ينقطع عن نموذج إفريقي عالمي سيُقام على أنقاض الذكريات، البعض يرى أن التطوير ضرورة، وأنها خطوة تأخرت كثيرًا، بينما آخرون يتحسرون على مقاعدها الخشبية، وبرجولات الورد، وصوت الحمار الوحشي الذي كان يُطلق صيحاته ليملأ الأرجاء.
في وسط الحديقة، ما زالت تماثيل الأسود الصامتة تراقب الداخلين، وكأنها تسألهم: هل جئتم لوداعي أم لتشهدوا ميلادي من جديد؟ مشهد السكون يلف المكان، لكنه ليس سكون الموت، بل كأن الحديقة تتنفس بهدوء استعدادًا لحياة قادمة، ولجيل جديد سيكتب ذكرياته على أرصفتها، كما فعل من سبقوه.
حديقة الحيوان ليست مجرد مكان، بل زمن متجسد وأي حديث عنها هو حديث عن مصر، عن الطفولة، عن خيوط الشمس التي كانت تتسلل بين أوراق الأشجار، لتداعب وجوهنا ونحن نلتقط صورة مع الزرافة أو نطعم الغزال.
سامي حسني