الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

ليست لحظة عادية تلك التي يترقب فيها المصريون نتيجة الثانوية العامة، هي لحظة ارتجاف واحتراق، وجع معلّق بين "مبروك" و"قدر الله"، لا تفصل بينها سوى ضغطة زر على موقع إلكتروني، أو مكالمة هاتفية مرتجفة، أو نظرة في عين أم ظلت ساهرة تدعو الله في جوف الليل منذ أيام الامتحان وحتى صباح إعلان النتيجة.

في تلك البيوت التي باتت تحبس أنفاسها، لا يسكن التوتر في الممرات ولا في صالات الجلوس فقط، بل يسكن في القلوب، في العيون، في صوت الساعة على الجدار وهي تدق بعنف يشبه ضربات القلب. 

في مصر، الثانوية العامة ليست مجرد شهادة، بل طقس اجتماعي مقدس، نذر من الأحلام، وعقيدة أسرية لا تُقاوَم، عام دراسي واحد، لكنه كفيل بأن يحكم على طالب بالفرح أو الفقد، وأن يرسم مستقبلًا كاملاً في لحظة واحدة.

أكثر من 780 ألف طالب وطالبة خاضوا هذا العام تلك التجربة الموحشة، تحت عناوين الإصلاح والتطوير، وأسئلة "الاختيار من متعدد" التي حوّلت قاعة الامتحان إلى حقل ألغام معرفي، بينما تقف الوزارة تؤكد أنها تحارب الحفظ وتبني الفهم، لكنّ آلاف الأمهات لا يهمهن شكل السؤال بقدر ما يهمهن رقم النهاية، لأن التنسيق في النهاية لا يفهم لغة الفهم، بل لغة الأرقام فقط.

كثيرون قد يسألون: لماذا كل هذا الهلع؟ لكنّ الإجابة ليست في الكتب، بل في العادات، في التقاليد، في نظرة المجتمع، في المقارنة الظالمة بين الابن وابن الجيران، في السباق نحو كليات "القمة"، في مجتمع لا يزال يرى أن الطب والهندسة والاقتصاد هي البوابات الذهبية للنجاح الاجتماعي، ولو على حساب الشغف والموهبة.

تقول الأرقام إن أقل من 14% من طلاب العام الماضي حصلوا على مجاميع تفوق 90%، ورغم ذلك، لم تنكسر البيوت، ولم تتوقف الحياة، بل مضت كما تمضي دائمًا: بعضهم أعاد الكرة، وبعضهم استدار عن الحلم الجامعي، وآخرون فتحوا دروبًا جديدة في التعليم الفني أو الجامعات الخاصة أو حتى الهجرة الصامتة إلى سوق العمل. لكنّ أحدًا لا ينكر أن الألم كان عامًا، والخذلان واسعًا، والخيبة مشتركة.

ولعلّ الكارثة الأكبر ليست في النتيجة نفسها، بل في ما قبلها وبعدها. 

أكثر من 35 مليار جنيه سنويًا تهدرها الأسر على الدروس الخصوصية، وفق تقديرات غير رسمية. فصول المدارس أصبحت شبه فارغة، ومراكز الدروس أصبحت الأمل الوحيد، والعدالة التعليمية تحوّلت إلى حلم رومانسي بعيد المنال.

كل بيت يدفع من صحته المالية، ومن وقت أطفاله، ومن راحة أمهاته، ما يكفي لبناء مدرسة كاملة لو كانت هناك منظومة تؤمن بأن التعليم حق لا معركة.

في الساعات القادمة، سينجح من سينجح، وستحزن من تحزن، لكن الحقيقة ستظل واحدة: لا أحد يستحق أن يُحاسب على حلمه من خلال ورقة واحدة، لا إنسان يُختصر في رقم، لا قلب يجب أن يُكسر لأن الدنيا لم تُعطه 95%.

النجاح لا يبدأ ولا ينتهي عند بوابة التنسيق وهناك من صنعوا مجدهم خارج "كليات القمة"، وهناك من كانوا أوائل وفشلوا في أن يكونوا سعداء فليكن إعلان النتيجة مناسبة للتفكر لا فقط للحزن أو الفرح، ولنعيد التفكير: هل نحن نُربي أبناءنا ليكونوا متفوقين، أم نُطاردهم ليكونوا فقط مرضيين لنا؟ وهل نريد تعليمًا يصنع الإنسان، أم تنسيقًا يصنع المقارنة؟

د. حماد الرمحي

تم نسخ الرابط