الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

لم يكن من السهل أن أمرّ على ما صرّح به الدكتور عبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، دون أن أتوقف أمامه ناقدًا ومُوضحًا، لا تشكيكًا في نيّة الرجل، ولا انتقاصًا من قدره، ولا تقليلًا من قيمة حزب الوفد وتاريخه العريق في الحركة الوطنية المصرية، بل إعلاءً لمكانة القرآن الكريم، وتنزيهًا لكلام الله تعالى عن أن يُساق في غير موضعه، أو يُسقط على واقع حزبي آني لا يليق بجلال النص وقدسيته.

استشهاد الدكتور يمامة بقول الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا}، للقول بأن حزب الوفد مذكور في القرآن، يمثل تجاوزًا لمقام النص القرآني، وخروجًا عن مقصده الشرعي واللغوي. 

فالمتأمل في الآية يدرك أنها تتحدث عن مشهد أخروي جليل، يتجلّى فيه تكريم الله لعباده المتقين يوم القيامة، حين يُحشرون إليه وفدًا أي جماعات مكرّمة، كما يُستقبل الوفد المكرّم في الدنيا، وهي كلمة جاءت بصيغة النكرة، تعبيرًا عن الهيئة لا عن الكيان، عن الصورة لا عن الاسم، ولا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد باسم "حزب الوفد" أو غيره من الكيانات السياسية الحديثة.

القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع، لا كتاب أسماء أو مؤسسات، وتفسيره وتوظيفه لا يجوز أن يخضع للأهواء أو السياقات المتقلبة أو الحماسة السياسية. فالنص القرآني فوق التحزّب، متعالٍ على الاصطفاف، وهو نهر نقيّ لا ينبغي أن تُخلط مياهه بحسابات السياسة أو تُلوّث رمزيته بمحاولات المجاز المبالغ فيه.

حتى إن قُدِّم هذا الربط بين الآية والحزب في إطارٍ من المزاح أو الطرافة، فإنه يظلّ أمرًا مرفوضًا شرعًا ولغةً وذوقًا. 

فالقرآن لا يُمزح به، ولا يُساق في سبيل صناعة حالة من الرضا الجماهيري أو إضفاء قداسة على كيان بشري قابل للخطأ والصواب. 

إن مما يُؤلم النفس ويثير الحزن أن يُقحم كلام الله في مجال هو أدنى من مقامه، ويُستخدم في غير الغاية التي أنزل من أجلها وقد قال تعالى في مطلع كتابه: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}، لا منصة للخطابة، ولا مطية للدعاية، ولا زينة تُعلق على صدر حزب أو تيار.

المسألة ليست مجرّد جدل لغوي، بل قضية مبدأ واحترام لحدود الله، فالنصوص القرآنية لا تُقرأ بمنطق التحوير السياسي، بل بفهمٍ نابع من علمٍ ووقار، ووعيٍ بجلال الرسالة التي يحملها هذا الكتاب الخالد. إن احترام النصوص لا يعني فقط تلاوتها، بل يعني صيانتها من العبث، وتقديسها في القلوب قبل الحناجر.

ولا شك أن حزب الوفد، بتاريخه الطويل، وتضحيات رموزه، ومكانته الوطنية، أغنى من أن يحتاج إلى استشهاد لا يستقيم، أو تلميح يُحمل على غير وجهه. فالتاريخ يشهد للوفد، ولا يحتاج أن تُستدعى له آيات، ولا أن تُحمَّل المعاني ما لا تحتمل، ولا أن يُقال في معرض الترويج ما يُحرج في ميزان العلم والشرع.

أدعو من منطلق المسئولية الشرعية والفكرية إلى أن نبقي للقرآن الكريم حرمته، وللنصوص قدسيتها، وأن نضع بينها وبين كل اجتهاد غير منضبط حاجزًا من الهيبة والاحترام. فكما أن الدين لا يُوظف في التربّح أو الانحياز، لا يجوز أن يُستحضر في مواضع تُفرغه من نوره وتجرّده من قدسيته.

القرآن كتابُ ربّ العالمين، أنزل ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، لا ليُزين به اسم حزب، ولا ليُقال به ما لا يجوز. 

فلنترك للقرآن مكانته، ولنرتقِ في وعينا بما نقرأ ونقول، ولنحذر أن نقع في التأويل المجازي الذي يفسد المعنى ويستدرج الإثم، ولو على سبيل المزاح.

فليكن احترام النصوص أصلًا ثابتًا لا يُزحزحه هوى ولا دعاية، ولنبقِ للقرآن مقامه الذي لا يُجارى، ولا يُقاس عليه شيء.

د. مظهر شاهين

إمام وخطيب مسجد عمر مكرم

عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

تم نسخ الرابط