الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

تضارب المصالح في الحياة البرلمانية ليس تفصيلًا قانونيًا هامشيًا، بل جرحٌ في صميم العدالة وتهديد صامت للدولة المدنية الحديثة.

فعندما يصبح النائب مشرّعًا ومستثمرًا في الوقت ذاته، يُمحى الحد الفاصل بين السلطة والمصلحة، وتتحول قاعة التشريع إلى حلبة خفية لتصفية الحسابات المالية. 

ولهذا، فإن سنّ القوانين التي تكشف هذا التداخل وتحاصره ليست مجرد مسألة تنظيمية، بل خطوة ضرورية لاستعادة ثقة المواطن في أن البرلمان هو بيت الشعب، لا بوابة للثراء الخاص.

جاء قانون مجلس الشيوخ المصري ليؤسس لهذا الفهم الجديد، محاولًا أن يُغلّق أبواب تضارب المصالح التي لطالما تُركت مواربة، يدخل منها رأس المال ليتموضع في قلب السياسة. 

فقد نصّت المادة 41 بوضوح على وجوب فصل الملكية عن الإدارة خلال ستين يومًا من اكتساب العضوية، وهو ما يمنع النائب من إدارة أسهمه أو التأثير في مصالحه الخاصة. 

وهنا تتجلى أولى الإشارات إلى تحوّل جوهري في فلسفة التشريع: النائب ليس تاجرًا في السوق، بل خادم لقضايا الناس. وإذا جمع بين هذا وذاك، انزلق القرار العام إلى خدمة الخاصة، وانهارت فكرة المصلحة الوطنية العليا.

لكن التطبيق الفعلي لهذا النص يثير الكثير من التساؤلات الجوهرية، فكيف سنضمن أن هذا "الفصل" ليس مجرد إجراء شكلي؟ وهل يمتلك المجلس آليات رقابية صارمة ترصد التحايل؟ ثم ماذا عن "الإدارة غير المباشرة" التي قد تدار بأسماء آخرين؟ القانون هنا يقف في منتصف الطريق، واضعًا القاعدة، منتظرًا من الضمير والرقابة أن يشكّلا السور الذي يحرسها من التلاعب.

فلسفة التشريع بين الطموح والتنفيذ

عندما نتأمل نصوص المواد من 42 إلى 44، ندرك أن المشرّع لم يكتف بالتنبيه أو التحذير، بل سعى إلى بناء منظومة عزل متكاملة، تمنع تداخل النفوذ السياسي بالاستثمار الشخصي. 

فالمادة 42 تُلزم النائب بأن يُفوّض إدارة أصوله إلى طرف مستقل، لا تربطه به قرابة أو شراكة. كما تمنعه من التدخل إلا في حالات خاصة، كالبيع أو التنازل. أما المادة 43، فتضع قيدًا إضافيًا على حركة النائب في السوق، إذ تمنعه من شراء أي حصص أو أسهم جديدة خلال مدة عضويته، إلا في حالات نادرة محددة قانونًا.

هذه النصوص تصوغ رؤية تشريعية متقدمة، تعترف بأن المشكلة لا تكمن في الثروة ذاتها، بل في استغلال النفوذ لتحقيقها، ولهذا، فإنها تحاول أن تحاصر تلك المساحات الرمادية التي يستغلها البعض عبر شركات وهمية أو واجهات قانونية.

لكن، هل التشريع وحده يكفي؟ هنا تبرز المعضلة الحقيقية: النص دون تنفيذ عادل، يتحول إلى حبر بلا أثر، ودستور بلا حياة.

ما لم تُفعَّل الرقابة المؤسسية، وتتسع أعين الإعلام، ويترسخ الوعي المجتمعي بضرورة الشفافية، ستبقى هذه القوانين أوراقًا مؤرشفة، تهتف بالعدالة لكنها تُهمس حين يُخرق القانون من أهل الحصانة. 

الأسوأ من ذلك أن يتحوّل "التحايل على القانون" إلى مهارة سياسية، تُكافأ في الصناديق وتُصفَّق لها في الحملات الانتخابية، وهنا، لا يصبح الخطر في النص، بل في ثقافة التجاهل التي تبارك التواطؤ.

النائب بين الولاء للأمة والولاء للأرباح

ما يجب أن يُقال بوضوح، بعيدًا عن المجاملة السياسية، هو أن النائب البرلماني لا يجب أن يكون ثريًّا، بل حرًّا، فالحرية من سلطة المال أهم من حيازة المال.

وعضوية البرلمان ليست تفويضًا بالاستثمار، بل عهد بالإنصاف، ومن يجلس تحت قبة التشريع، يجب أن يكون ممثلًا لقضايا المهمّشين، لا شريكًا خفيًا في شركات الاحتكار.

وهنا لابد وأن نتحدث عن فصل الملكية عن الإدارة، ومنع شراء الأسهم، والإخطار بالحصص وإدارتها، وهي كلها محاور تقنية لصيانة الشفافية، لكنها تُصبح جوفاء إذا ما ظلّ البرلمان ذاته بعيدًا عن المساءلة. 

لذلك، فإن المطلوب ليس فقط قوانين صارمة، بل إرادة سياسية تحترم هذه القوانين، وإعلام حر يفضح من يخترقها، وقضاء مستقل يُحاسب مهما كان المنصب، بهذا فقط، يمكن أن تتحقق الدولة المدنية، ويتحوّل البرلمان من ساحة للمصالح إلى منصة للمبادئ.

نحن أمام لحظة اختبار حقيقية للدولة الحديثة في مصر، التي ترفع شعار "الجمهورية الجديدة" فإما أن نغلق فعليًا باب تضارب المصالح، وننقل البرلمان من سلطة محصّنة إلى مؤسسة شفافة، وإما أن نظل ندوّر في حلقة مفرغة من التشريعات دون أثر، والمعارك دون نهاية.

خالد فؤاد 

رئيس حزب الشعب الديمقراطي

تم نسخ الرابط