الجمعة 18 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
الايام المصرية

في كل ثانية يولد طفل جديد في مصر.. رقم صادم لكنه حقيقي، وفق ما أعلنه وزير الصحة والسكان، إذ تسجل البلاد نحو 5370 مولوداً يومياً، أي ما يعادل أكثر من مليوني نسمة جديدة سنوياً تُضاف إلى مجتمع يتجاوز تعداده 107 ملايين نسمة.

وفي ظل هذه الأرقام، تتحرك أجهزة الدولة، وعلى رأسها وزارة التنمية المحلية ووزارة الإسكان، للحد من آثار هذا النمو المتسارع الذي وصفه البعض بـ"الخطر الديمغرافي" الذي يهدد التنمية ويضغط على الخدمات.

لكن هل تمثل الزيادة السكانية في مصر نقمة بالفعل؟ أم أن الأمر – لو أُحسن إدارته – قد يتحول إلى نعمة ورافعة للتنمية كما حدث في تجارب دول كبرى مثل الصين والهند؟

المؤشرات السكانية في مصر تحمل تفاصيل دقيقة ترسم صورة معقدة للمشهد الديمغرافي. فوفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يشكل الأطفال دون الخامسة عشرة نحو ثلث المجتمع بنسبة 34.1%، بينما لا تتجاوز نسبة كبار السن 4.1%. هذا يعني أن المجتمع المصري فتي، يزخر بطاقات بشرية هائلة تحتاج إلى التوجيه والاستثمار، لا التهويل والتخويف.

الانفجار السكانى».. غول يلتهم ثمار التنمية| مصر الأولى عربياً والثالثة  أفريقياً والـ 14 عالمياً فى عدد السكان | بوابة أخبار اليوم الإلكترونية

قانونياً: المحافظ هو المسؤول الأول عن الملف السكاني

القضية السكانية في مصر ليست من مسؤولية وزارة بعينها، بل تتوزع أدوارها على مختلف أجهزة الدولة، ويُعد المحافظون في المحافظات الـ27 ركيزة أساسية لإدارة هذا الملف، بحسب ما ينص عليه قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، من المادة 25 إلى المادة 28، حيث تُحمِّل تلك النصوص المحافظين مسؤولية مباشرة عن القضايا السكانية في نطاق محافظاتهم، كلٌّ بحسب طبيعته الجغرافية والقبلية والسكانية.

لذلك فإن التعامل مع هذه الزيادة لا يجب أن يقتصر على الشعارات، بل يتطلب إعداد خطط محلية استراتيجية، تتماشى مع ظروف كل محافظة. 

فليس من المعقول أن تُطبَّق ذات السياسات في القاهرة الكبرى المكتظة، وجنوب سيناء التي لا يتجاوز عدد سكانها 108 آلاف نسمة.

من التعدادات إلى الكثافات.. أرقام تتحدث

شهد عدد سكان مصر قفزات هائلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة:

  •  في عام 2006: بلغ عدد السكان 72.8 مليون نسمة
  •  في عام 2017: ارتفع إلى 94.8 مليون
  •  في 2020: تخطى حاجز 100 مليون
  •  واليوم: نقترب من 108 ملايين نسمة

ومع هذا النمو، ارتفعت الكثافة السكانية من 71.5 نسمة/كم² عام 2006 إلى نحو 99 نسمة/كم² عام 2019، فيما لا تتجاوز نسبة المساحة المأهولة فعلياً من الأرض المصرية 7%.

المفارقة أن غالبية السكان يتركزون في عدد محدود من المحافظات، تأتي القاهرة في مقدمتها بعدد يقارب 10 ملايين نسمة، تليها الجيزة، فالشرقية، فالدقهلية، بينما تسجل محافظات مثل جنوب سيناء وشمال سيناء ومطروح أقل الأعداد.

الأمم المتحدة تنسف مزاعم الانفجار السكاني في العراق.. مَن يحل عُقدة  الإحصاءات وتذبذبها؟ | إنفوبلاس

الوفيات والاستدامة السكانية

في المقابل، يبلغ متوسط عدد الوفيات السنوية في مصر حوالي 570 ألف وفاة، أي أن صافي الزيادة السكانية يظل مرتفعاً. وفيما تسعى دول العالم المتقدم للثبات السكاني (بمعدلات نمو 0% تقريباً كما في النمسا وبلجيكا والدنمارك)، تسجل مصر نمواً طبيعياً مرتفعاً، يتطلب جهوداً غير تقليدية لضبطه واستثماره.

العمل، الإنجاب، والتعليم السكاني

بحسب بيانات القوى العاملة، يُقدَّر حجم قوة العمل بـ28.3 مليون نسمة، معظمهم من الذكور. ورغم هذه الطاقة البشرية، لا يزال معدل البطالة، والعمالة غير الرسمية، والتفاوت في فرص العمل يمثل عوائق أمام استثمار هذا المورد البشري.

ومما يزيد المشهد تعقيداً أن معدل الخصوبة في مصر ما زال مرتفعاً، حيث تسجل البلاد مولوداً كل 13 ثانية. 

وتشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن متوسط معدل الإنجاب لا يزال فوق المعدلات العالمية، خاصة في المناطق الريفية، رغم انخفاض نسبي في أعداد مواليد الريف بنسبة 6% عام 2019 مقارنة بعام 2018.

الوعي السكاني يبدأ من المدرسة

من هنا، أدعو إلى تدريس القضايا السكانية في المناهج التعليمية منذ المرحلة الابتدائية حتى الجامعية. فوعي النشء بمفهوم الأسرة الصغيرة، والتوازن بين الإنجاب والموارد، ضرورة وطنية وليست ترفاً فكرياً. 

كما يمكن استغلال أكثر من 4200 مركز شباب، و5100 وحدة صحية، لنشر الثقافة السكانية، خاصة في الريف والمناطق العشوائية.

الدروس المستفادة من الخارج

دول مثل الصين والهند نجحت في تحويل التحديات السكانية إلى فرص تنموية من خلال برامج صارمة للتنظيم، وسياسات لإعادة توزيع السكان، وربط التعليم باحتياجات سوق العمل، وتمكين النساء والفتيات.

وعليه، فإن مصر أمام مفترق طرق: إما أن تظل أسيرة أعباء الزيادة السكانية، أو أن تتبنى نموذجاً تنموياً يربط بين السكان والتنمية. الفارق الوحيد يكمن في "الإدارة".

نعم، القضية ليست أن لدينا كثيراً من البشر، بل أننا لا نُحسن إدارة هذه الثروة. والسكان ليسوا عبئاً بحد ذاتهم، لكن تركهم دون تخطيط أو توعية أو توزيع عادل، هو الخطر الحقيقي.

من النقمة إلى النعمة.. القرار بأيدينا

ما بين كل ثانية وأخرى، يولد طفل جديد في هذا الوطن. فهل سيكون هذا المولود رقماً يُضاف إلى قائمة الأعباء، أم اسماً يُسهم في بناء المستقبل؟

الإجابة تبدأ من إرادة سياسية واضحة، ورؤية إدارية محلية فاعلة، ومجتمع يعرف أن الزيادة السكانية، مثل النار، إن أُحسن استخدامها أضاءت الطريق، وإن أُهملت أحرقت البيت.

د. حمدي عرفة

أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية وتطوير العشوائيات

تم نسخ الرابط