
حين تُرفع شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان، ويُتاجر بالدين والهوية القومية في ساحات الغرب، فإن على العقلاء أن يميزوا بين الحق المشروع والخراب المتعمّد الذي يتبناه وجيه رؤوف المناضل في ساحات الصهيونية العالمية.!
وإن ما خرج به المدعو "وجيه رؤوف"، المدير التنفيذي لما يسمى بـ"هيئة أقباط أوروبا" بالنمسا، لا ينتمي إلى حقوق الأقباط، ولا إلى محبة الكنيسة، ولا إلى مسؤولية وطنية.
بل يُعد دعوة خبيثة لانشقاق روحي ووطني خطير، تمسّ ليس فقط كيان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العريق، بل تضرب في العمق أمن مصر ووحدة نسيجها الوطني.

إن ما اقترحه وجيه رؤوف – من المطالبة بانفصال إيبارشيات المهجر عن الكنيسة الأم، وتعيين بطريرك مستقل لما أسماه "كنائس المهجر" – لا يمكن توصيفه إلا بأنه كارثة عقائدية ووطنية مكتملة الأركان.
فدعوة كهذه، حتى إن تزيّنت بألفاظ "الحقوق" و"الحرية"، ليست إلا رصاصة مسمومة موجهة إلى قلب الوطن، واستهداف مباشر لوحدة الكنيسة التي قامت على دماء الشهداء والقديسين.
هل يُعقل أن تُشبه الكنيسة الوطنية التي احتملت عبر قرون اضطهادات الطغاة، وتقف في صف الوطن والمواطنين جميعًا، بأنها أداة اضطهاد؟!
وهل من المنطق أن نتهم البابا تواضروس الثاني – الذي تُجمع شهادات الداخل والخارج على وطنيته وحكمته – بأنه يُمارس الاضطهاد كالأنظمة القمعية؟!
هذا خطاب لا يصدر إلا عن جهات مغرضة تزرع الفتنة، وتحاول شق الصف القبطي، كمدخل لضرب السلام الاجتماعي في مصر.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليست مجرد مؤسسة دينية، بل هي الجذر الوطني والروحي الذي تفرعت منه إيبارشيات المهجر نفسها ومن ينفصل عن الجذر، يجفّ، ثم يسقط في هوّة الانحراف والبدع.
والواقع أن تلك الدعوة تفتح أبوابًا خطيرة على المهجر نفسه، فبدل أن يبقى أبناؤنا هناك في حضن الأرثوذكسية الأصيلة، يصبحون فريسة لمذاهب منحرفة وطوائف تحمل في ظاهرها النور، لكنها في باطنها العطب والضياع.
وقد قالها القديس يوحنا بوضوح لا يحتمل التأويل: "دم الشهادة نفسه لا يمكن أن يمحو خطيئة الشقاق في الكنيسة."
وفي المعنى ذاته، حذّر القديس كبريانوس بأن: "الشقاق والهرطقة من عمل الشيطان، وهما أشد خطرًا على المؤمنين من الاضطهاد الخارجي."
الخطورة لا تقف عند حدود الكنيسة، فحين يُنادى من عواصم أجنبية بتعيين بطريرك "للخارج" يتحدث باسم أقباط "الداخل"، فإننا أمام دعوة صريحة لتدويل قضية الأقباط، وتحويلها إلى ورقة ضغط سياسي بيد واشنطن وتل أبيب.
والنتيجة، اختراق نسيجنا الوطني، وتحويل أبناء مصر إلى أدوات في أيدي قوى دولية لا يعنيها الإنسان ولا الدين، بل تفكيك الدول الوطنية وإسقاط جيوشها.
لقد رأينا هذا السيناريو يحدث حرفيًا في سوريا، حيث زعمت إسرائيل حماية الأقليات، لتجد ذريعة لقصف الأراضي السورية ورأينا كيف لم تحمِ أمريكا مسيحيي العراق ولبنان والسودان، بل خلّفتهم فريسة للتطرف والانقسام.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كانت وستظل صخرة عاتية تتحطم عليها أمواج الفتن، فهي التي قاومت الاستعمار، ورفضت تدويل قضية الأقباط، وواجهت الإرهاب، واحتضنت شعبها في الملمات، ووقفت جنبًا إلى جنب مع الجيش المصري في أوقات الشدة.
أما وجيه رؤوف ومن سار على دربه، فهم ليسوا سوى أصوات نشاز تحاول تكرار خطايا من سبقوهم، ممن عرضوا قضايا الداخل على موائد الخارج، واستقووا بمراكز أبحاث مشبوهة ومنابر تُدار من خلف الستار، وأعلنوا حربًا على الكنيسة تارة، وعلى الجيش تارة، وعلى الوطن تارات لا تُحصى.
فهل نُصدّق من نكرت أسرته نسبه؟ ومن اعترف أنه صبيّ في بلاط دعاة التطرف الطائفي؟ ومن ظهر بالصوت والصورة وهو يُبشر بإلغاء الكنائس الأرثوذكسية في الخارج وتحويلها إلى كنائس غربية مشبوهة؟!
إن حل مشكلات الأقباط، وكل المصريين، لن يكون إلا على أرضية وطنية خالصة لا أمريكا، ولا أوروبا، ولا أي قوة في العالم، ستحلّ محلّ صوت الوطن، إذا اجتمعنا عليه بصدق.
نعم، الوطن باقٍ، والأشخاص زائلون، وكنيستنا الأم باقية، لأنها قامت على الحق والإيمان والدم، لا على المصالح وألعاب السفارات.
جرجس بشرى