الثلاثاء 29 يوليو 2025
الايام المصرية
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى
رئيس مجلس الإدارة
د. أحمد رضوان
رئيس التحرير
رضـــا حبيشى

الشهامة ليست مجرد خُلق، بل تجسيد حي لمعنى الرجولة والضمير في الوجدان المصري. 

لم تكن يومًا صفة طارئة أو سلوكًا فرديًا، بل كانت نَفَسًا مشتركًا يسري في شرايين المجتمع، تعلّمه الأطفال بالفطرة، ويمارسه الكبار دون تكلّف. 

كانت الشهامة عنوانًا لمصر وشعبها، من أبواب الأحياء الشعبية، إلى المقاهي، إلى الميادين، وحتى في الأزمات الكبرى، حيث لا يتأخر المصري عن مدّ يده أو رفع صوته لنصرة مظلوم أو نجدة ضعيف.

لكن ما حدث مع "سيدات المنصورة" كشف عن جرح غائر في جسد المجتمع المصري، جرح اسمه "غياب الشهامة". 

سيدات خرجن للمطالبة بحقهن في السكن، فوجدن أنفسهن في مواجهة تهديد واعتداء وتحرش لفظي وسلوكي، بلا حماية ولا حائط صد بشري يُوقف المهزلة، أو يُعيد للأخلاق هيبتها. 

الفاجعة ليست فقط في الاعتداء، بل في الصمت الذي أحاط به، في تراجع الغضب الشعبي، وفي اختفاء الأصوات التي كانت تملأ الشوارع دفاعًا عن المظلومين.

ما الذي أصاب الشهامة المصرية؟ أين ذهبت تلك "الجدعنة" التي طالما تغنّى بها المصريون؟ كيف تحوّل الشارع الذي كان لا يترك سيدة تصرخ دون أن يهبّ رجال الحي لنجدتها، إلى مشهد باهت، يعجّ بالهواتف التي تصوّر أكثر مما تتدخل، وبالعيون التي تُراقب عن بُعد أكثر مما تنصر؟

ليس ما يحدث انعزالًا عن السياق العام، بل انعكاس لتحولات اجتماعية وثقافية عميقة، منها الضغوط الاقتصادية المتراكمة، تفكك البنية الأسرية، ضعف التعليم، وانسحاب الإعلام من دوره التوعوي، وهي كلها عوامل ساهمت في تفريغ القيم من مضمونها. 

تحوّل المواطن من شريك في حماية المجتمع، إلى فرد مشغول بصراعه اليومي للبقاء. 

لكن لا مبرر لأي تهاون أخلاقي. فالفقر لا يبرر الجُبن، والضغط لا يُسقط الشهامة، كما أن الانشغال لا يعفي من الواجب الإنساني.

إن ما حدث مع سيدات المنصورة يجب ألّا يُنسى، لأنه اختبار فشل فيه الشارع، وفشلت فيه نخبة واسعة كانت يومًا تتحدث عن حقوق المرأة والعدالة والكرامة. 

إن الشهامة ليست مزيّة ذكورية، بل قيمة إنسانية تُقاس بمدى انحيازنا للمظلوم أياً كان جنسه أو وضعه أو طبقته الاجتماعية.

في مصر، كانت الشهامة يومًا صك الانتماء الحقيقي، وسر الهيبة المجتمعية، والضامن غير المكتوب لكرامة الناس، لا تُمارَس بأوامر ولا تُعلَّم في دروس جامدة، بل تُزرَع في البيت، وتُصاغ بالقدوة، وتُترجَم في المواقف.

إن استعادة الشهامة لا تكون عبر التغني بالماضي فقط، بل بإعادة الاعتبار لقيم النخوة والانتصار للحق، وغرس الإحساس بالآخر في مناهج التعليم، وإبراز النماذج الإيجابية في الإعلام، وتكريم كل "جدع" وقف في وجه الظلم، حتى لو كان عابر سبيل.

الشهامة التي تراجعت لا تزال قابلة للعودة، لكنها تحتاج إلى بيئة تحميها، وثقافة تُعززها، ومجتمع لا يقبل الحياد في معركة الأخلاق، نحن لا نحتاج إلى قوانين جديدة بقدر ما نحتاج إلى ضمير مستعاد، وذاكرة حية تقول: لا كرامة لمجتمع يخذل نساءه، ولا بقاء لأمة فقدت شهامتها.

فوزي عفيفي

مستشار وزير التموين السابق

تم نسخ الرابط