في مصر، لا تزال الدراجة الهوائية تُعامل كما لو كانت وسيلة ترفيه بدائية، بينما يتعامل معها العالم المتقدم باعتبارها أحد حلول المستقبل. مؤسف أن أقول، إن من يمتلك دراجة في مصر، فهو مطالب قانونًا بترخيصها من المحليات قبل أن يقودها، بموجب اللائحة رقم 1613.
نعم، هذا القانون موجود، لكنه مدفون في أدراج البيروقراطية، لم يُفعَّل قط، ولا توجد دراجة واحدة مُرخصة رسميًا في تاريخ الجمهورية، رغم صدور القانون رقم 121 الذي أقرّ وجوب الترخيص منذ سنوات.
السؤال الصادم: لماذا نمتلك قوانين لا تُنفذ؟ ولماذا تتجاهل المحليات ملفًا قادرًا على إنقاذ المليارات، والبيئة، وحياة المواطنين؟!
بحسب الدراسات التي أُجريتها، فإن تجاهل ملف الدراجات الهوائية في 27 محافظة مصرية يكلف الاقتصاد الوطني نحو 88 مليار جنيه سنويًا، بسبب غياب وسيلة نقل اقتصادية وصديقة للبيئة كان يمكن أن تساهم في:
• تخفيف حدة الزحام المروري.
• توفير ما يقرب من 81 مليون لتر بنزين يوميًا.
• تقليل انبعاثات مليون و350 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون يوميًا.
إنها ليست أرقامًا إنشائية، بل نتائج حسابية حقيقية تعتمد على الواقع السكاني والاستهلاكي والجغرافي للمحافظات المصرية والأخطر من ذلك أن هذه الخسائر تتكرر يومًا بعد يوم في ظل غياب الرؤية.
نحن نملك بنية بشرية ضخمة قادرة على قيادة هذا التحول، حيث تضم مصر:
• 24 مليون طالب في التعليم قبل الجامعي.
• 4 ملايين طالب جامعي.
• 19 مليون عامل في القطاع الخاص.
• 4.9 مليون موظف حكومي.
كل هؤلاء يمكن دمجهم في مبادرة قومية بعنوان: “دراجة لكل مواطن”، مبادرة لا تقتصر على التوزيع العشوائي للعَجَل، بل تُمثل مشروعًا استراتيجيًا متكاملًا يحمي البيئة، ويُوفر الوقود، ويُحسن الصحة العامة، ويُعيد للمواطن كرامته في التنقل الحر.
لكن حتى تنجح هذه المبادرة، لا بد من تطبيق القانون المهمل. اللائحة 1613 تنص على شروط واضحة:
لا يجوز قيادة الدراجة دون ترخيص من المحليات.
مدة الترخيص خمس سنوات.
يُمنع ركوب المقعد الخلفي لمن هم دون 16 عامًا.
يجب ارتداء الخوذة.
يشترط الفحص الفني للفرامل والدواسات والجدون.
لا يُسمح بقيادة الدراجة لمن هم دون 8 سنوات.
ولا يجوز تأجير الدراجات إلا بعد الحصول على ترخيص من المحافظ، وألا يقل سن المؤجر عن 21 عامًا.
أليست هذه البنود كفيلة ببناء نظام محلي محترم يُعزز من سلامة المرور؟ فلماذا نصرّ على تجاهلها؟
إن ملف الدراجة ليس ملفًا بيئيًا فقط، بل هو قضية قومية تمسّ الطاقة، والصحة، والتعليم، والعدالة الاجتماعية. في الدول المحترمة، الدراجة تُعامل كأولوية وطنية. في هولندا والدنمارك واليابان وتركيا، تُخطط المدن على مقاس العجلات، وتُصرف الميزانيات لتوسعة المسارات المخصصة للدراجات. أما في مصر، فالدراجة لا تزال “لعبة أطفال” في نظر الإدارة المحلية!
أيها المسؤولون: الدراجة ليست رفاهية، بل ضرورة. وإذا كنتم تبحثون عن حلول عملية لتقليل الإنفاق على البنزين، وتقليل الزحام، وتحسين الصحة العامة، فابدأوا فورًا بتنفيذ ما لديكم من قوانين.
كفانا تجاهلًا… فقد تأخرنا بما فيه الكفاية!
د. حمدي عرفة
أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية – خبير استشاري للبلديات الدولي.