في لحظة فارقة تشهدها مصر على أعتاب انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2025، يتجدد الحديث حول الدور المحوري لهذا المجلس في إثراء الحياة السياسية والدستورية، وتعزيز البناء الديمقراطي للدولة، وتجذير مبادئ المشاركة الوطنية.
فمجلس الشيوخ، بوصفه الغرفة الثانية في البرلمان المصري، لا يمثل مجرد هيئة استشارية عليا، بل يعد تجسيدًا لفلسفة سياسية وقانونية عميقة تسعى إلى خلق توازن تشريعي، وتوسيع نطاق الحوار الوطني، وضمان مشاركة فاعلة لمختلف مكونات المجتمع، خاصة المرأة والشباب.
الدور القانوني والدستوري لمجلس الشيوخ
جاء قانون مجلس الشيوخ رقم 141 لسنة 2020 ليحدد اختصاصات هذا المجلس بوضوح، ويؤطر صلاحياته ضمن السياق الدستوري العام للدولة.
وتنص المادة السابعة من القانون على أن المجلس يختص بـ"دراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي، والمقومات الأساسية للمجتمع، وقيمه العليا، والحقوق والحريات، والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته".
هذا النص لا يمنح المجلس مجرد صلاحيات رمزية، بل يؤكد على مسؤوليته الكبرى في تقديم الرؤى والتصورات التي تضمن استقرار الدولة وتعزيز التوافق المجتمعي، خاصة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة.
وفي المادة الثامنة، نصّ المشرّع على عدد من الموضوعات التي يُؤخذ رأي مجلس الشيوخ فيها وجوبيًا، أبرزها:
- الاقتراحات الخاصة بتعديل مواد الدستور.
- مشروع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
- معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات المرتبطة بحقوق السيادة
- مشروعات القوانين المحالة من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب
- الموضوعات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة، أو الشئون العربية والخارجية.
وبذلك، فإن مجلس الشيوخ يؤدي دورًا مؤسسيًا فاعلًا في الحياة التشريعية والسياسية من خلال تقديم آراء استشارية مؤثرة تُسهم في بلورة السياسات العليا للدولة.
الأبعاد السياسية والوطنية لدور مجلس الشيوخ
على الرغم من أن لمجلس الشيوخ طابعًا استشاريًا، إلا أن القيمة السياسية لدوره تكمن في اتساع أفق اختصاصاته، وقدرته على فتح نوافذ الحوار الوطني حول قضايا مصيرية.
إن وجود مجلس يُعنى بالتفكير الاستراتيجي في ملفات السيادة، والتنمية، والسياسات الخارجية، يوفّر دعمًا مؤسسيًا بالغ الأهمية لصانع القرار.
كما أن هذا الدور يتكامل مع مجلس النواب في صياغة التوازن السياسي والتشريعي، ويعكس الرغبة الوطنية في تجاوز اختزال العملية الديمقراطية في تمثيل انتخابي مباشر، إلى مفهوم أوسع يتيح تعددية الأصوات والرؤى والخبرات.

ضرورة تمكين المرأة والشباب في بنية المجلس
لا يمكن الحديث عن تعميق النظام الديمقراطي كما نص القانون، دون إتاحة المجال الواسع أمام تمثيل المرأة والشباب في مجلس الشيوخ، إذ يشكل ذلك أحد أبرز مؤشرات الديمقراطية الناضجة، ويعكس مدى الالتزام الحقيقي بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
إن المرأة المصرية التي حققت نجاحات مشهودة في مواقع القيادة والعمل العام، لا ينبغي أن تبقى خارج المشهد السياسي في مجلس بهذا الحجم.
كما أن تمثيلها في الشيوخ ليس فقط تكريسًا لحقوقها، بل ضرورة لصياغة سياسات عادلة وشاملة تراعي احتياجات نصف المجتمع.
أما الشباب، باعتبارهم القوة الحقيقية للمستقبل، فيجب أن يُمنحوا المساحة الكافية لصناعة السياسات والمشاركة في مناقشة قضايا التنمية والهوية الوطنية، كما أن وجودهم في المجلس يعني استثمارًا في الوعي الوطني، وتجديدًا مستمرًا لفكر الدولة.
مجلس الشيوخ بوصفه منصة للخبرة والحوار المجتمعي
إن الطبيعة التكوينية لمجلس الشيوخ، التي تتيح تعيين عدد من الأعضاء إلى جانب المنتخبين، تمنح الدولة فرصة لتوظيف الكفاءات العلمية، والقامات القانونية، والرموز الفكرية، في دعم صناعة القرار، وبذلك، يصبح المجلس منصة حقيقية للتفكير الجماعي، وصوتًا نخبويًا يعزز شرعية القرار ويُثري الحوار الوطني.
الانتخابات المقبلة والتحدي الديمقراطي
تمثل انتخابات مجلس الشيوخ 2025 محطة دستورية واختبارًا وطنيًا لقياس مدى التفاعل الشعبي مع الغرفة الثانية للبرلمان، ونجاح هذه الانتخابات يتطلب تعزيز ثقة المواطنين في أهمية المجلس، وإرساء آليات شفافة للاختيار، وضمان تمثيل حقيقي للمرأة والشباب وذوي الخبرة، بما يحقق التوازن المنشود بين التمثيل الديمقراطي والكفاءة التشريعية.
والخلاصة أن مجلس الشيوخ ليس مجرد إضافة شكلية إلى البنية الدستورية، بل هو ضرورة وطنية لضمان التوازن والاستقرار، وصياغة سياسات عقلانية ومدروسة.
وبما أن الديمقراطية لا تكتمل بدون مشاركة حقيقية، فإن تمكين المرأة والشباب داخل هذا المجلس يعدّ ترجمة فعلية لأهداف الدستور، واستجابة لمتطلبات الدولة الحديثة، فالسياسة، في جوهرها، ليست إدارة الحكم فقط، بل أيضًا فن إشراك المواطنين في بناء المستقبل.
خالد فؤاد
رئيس حزب الشعب الديمقراطي